السبت، 28 مايو 2011

كيف نريد أن نكتب دستورنا؟


إذا ذكرت لفرنسي أو أمريكي كلمة الدستور فغالبا ستجده يتحدث عن دستور بلاده بنوع من المهابة تصل للقداسة، وبنوع من الفخر الممتزج بالثقة ، و تراه يعتبر دستور بلاده جزءا من هويتها، بل من هويته، أما إذا تكلمت مع عربي عن الدستور فستجده لا يعني الكثير عنده ، هو مجرد وثيقة قانونية لا يدري ما فيها، و قد لا يجدها معبرة عنه، بل ربما طالب بتغييرها أو حتى بإلغائها تماما إلى غير بديل زاعما أننا لسنا في حاجة لاستيراد مثل هذه الصيغ من الغرب.. الفارق بين الموقفين ليس فقط اختلاف في الوعي السياسي لدى الطرفين، بل يكمن بالأساس في طبيعة الدستور نفسه، فالدستور الأمريكي مثلا -ومعه تعديلاته العشر الأولى و وثيقة الحقوق- تمثل اجماعا من التيار الرئيسي للأمريكين حول طبيعة الحكم ودور مؤسساته، والقيم ، و المرجعيات التي يجب أن تحكم البلاد ،بمعنى أن هذه الوثائق تعبر عن المجتمع الأمريكي كما ينبغي أن يكون من وجهة نظر أغلب الأمريكيين، وقل مثل ذلك عن الدستور الفرنسي.. أما بالنسبة للدول العربية، فالدستور صنع بعيدا عن المجتمع ، وفي أحيان بعينها (مثلما كان في تونس بورقيبة) جاء في كثير من أجزائه متبنيا صيغ معارضة للقيم السياسية السائدة في المجتمع، هذا المنطق صنع مسافة دائما بين الشعوب ودساتيرها، بل نظر للدساتير أحيانا على أنها وسيلة لفرض هيمنة غربية، أو تبرير قانوني لسلطة قمعية.. لا شيء من هذا مختلف فيما يتعلق بالتجربة المصرية مع الدساتير، فبعد تصريح 28 فبراير1922، وبينما أغلب المصريين ملتفون حول سعد زغلول باشا و الوفد تم تشكيل لجنة صياغة الدستور بالتعيين من قبل عبد الخالق ثروت و فريق من العدليين (أنصار عدلي يكن خصم سعد زغلول)، وهي اللجنة التي وضعت دستور 1923، وقد كانت لجنة تمثل الأقلية بأكثر مما تمثل الشعب، كان دستور 23 دستور نخبة بالمعنى الكامل للكلمة ، و إذا كان المصريون قد دافعوا عن هذا الدستور و رفضوا دستور 1930 الذي فرضه انقلاب اسماعيل صدقي فما ذلك إلا لأن الأخير كان أسوأ منه ، و أكثر انحيازا للقصر، ولم يكن ذلك رضى بدستور 1923 أو تمسكا فبه في ذاته بدليل أن حركة 1952 ألغت العمل بدستور 1923 من غير معارضة تذكر من أغلبية الشعب ، وقد تصوروا أن الانتقال لمرحلة جمهورية قد يمهد الطريق أمام دستور يخرج من الشعب ويعبر عنه بالفعل، لكن ذلك لم يحدث ، فقد أسند لجماعة من القانونيين وضع دستور دائم للبلاد في 1954 لكن الإطاحة بنجيب، و وصول ناصر لسدة الزعامة قضى على هذه المحاولة، وظلت البلاد بلا دستور دائم حتى 1971 عندما تمت صياغة الدستور الذي تم إنهاء العمل به بعد ثورة 25 يناير، فإن ذلك جاء بعد ما سمي يحركة التصحيح في مايو من ذلك العام التي كانت تهدف للإطاحة بخصوم الرئيس السادات ، وتمكينه من القبض على البلاد بشكل منفرد، لذا فقد جاء الدستور بالصلاحيات الواسعة الممنوحة للرئيس لكي يتم ما بدأته حركة التصحيح هذه ، ويصبغ شكلا قانونيا لهيمنة السادات المنفردة، ولم يغير أي تعديل لهذا الدستور تم في عهد السادات أو مبارك من طبيعة الدستور هذه بل أكدتها، وهو ما زاد سمعته سوءا.. اليوم و نحن نريد أن نضع دستورا جديدا للبلاد فنحن عند مفترق طرق استراتيجي ، فإما أن نكتب دستورا ينطلق من ما تتفق عليه أغلبية شعبنا أو دستور نخبة جديد لا يرى فيه الشعب عنوان له و لقيمه السياسية وهويته الحضارية.. الطريق الأول معروف ، وقد صوتت عليه أغلبية الشعب بالموافقة ، انتخاب مجلس نيابي في أقرب وقت يكون من مهام نوابه الذين يحملون تمثيلا حقيقيا من الشعب اختيار لجنة لوضع الدستور، و بالتالي تكون لهذه اللجنة تمثيلية حقيقية مستقاة من انتخابات شعبية، أما الطريق الثاني الذي لا نجده سوى استنساخ للتجارب التاريخية المبتورة السابقة ، فهو ما يتحدثون عنه من لجنة تأسيسة لصياغة دستور الآن من خبراء و قوى سياسية و شخصايت فاعلة (و كلها شرائح نخبوية) لا يتحدث أكثر الدعاة لها عن انتخابها من الشعب بالاقتراع المباشر. و لا يغير من الطبيعة النخبوية لدستور يوضع بهكذا طبيعة أن يعرض للاستفتاء لأن أغلب الناخبين في هذه الحالة لا يتاح لهم قراءة الدستور كله، أو الإحاطة بمختلف أبعاده، ويصوتون غالبا من خلال انطباعاتهم التي يخلقها الإعلام، وغيره من وسائل تشكيل الرأي العام.

أمانة الإعلام والتوعية المجتمعية
حزب الوسط بالإسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق