الخميس، 12 مايو 2011

القابلية للاستبداد، و التحدي الأكبر للبلاد


لمالك بن نبي -المفكر الجزائري الأشهر- تعبير شهير أطلقه على صفحات كتابه شروط النهضة هو القابلية للاستعمار، و قصد به حالة حضارية، و فكرية، ونفسية تمهد لقبول الشعب للاستعمار، و بدونها يظل الاستعمار غزوا لا يستطيع أن يستقر هانئا في أي بلد ، لذلك يسعى المستعمر إلى خلق هذه الحالة و استدامتها، و قياسا على ذلك فقد توسع بعض المفكرين في الفكرة و تحدثوا عن القابلية للاستبداد (أي للخضوع له) ، و للقابلية للاستبداد شروط عدة لعل من أهمها تصور الجماعة أن الاستبداد أصلح لأمورها، و أحفظ لسلامتها و أمنها، و قد نجد أثرا لذلك في حديث بعض المصريين اليوم في معرض التعليق على الفوضى الأمنية، أو الفتنة الطائفية ، أو المظاهرات الفئوية بأن الشعب المصري لا يحسن التعامل مع الحرية، وأنها (ما تنفعش معاه) ، وربما صيغت الفكرة بشكل صادم ( شعب ما ينفعش معاه إلا الكرباج) ، أو بشكل متعالم (تجربة التاريخ بتأكد إن الشعب المصري لازم له فرعون يحكمه) ، و الفكرة كلها تذكرنا بنظرية الشعب غير المهيأ للديموقراطية لأصحابها مبارك ، وسليمان، ونظيف ، و هي فكرة خطيرة، و غير علمية حين تتصور أن لشعب ما خصوصية تجعله لا يستطيع أن يعامل بغير القمع و القهر، و يعجر عن تحمل مسئولية الحرية، كما أنها تنطوي على مغالطة كبرى حيث تقارن الأوضاع بعد شهور قليلة من سقوط نظام الطاغية مبارك مع الديموقراطيات الراسخة منذ عقود أو حتى قرون، ولو أننا قارنا بين أوضاع مصر اليوم، و أوضاع فرنسا خلال العقد الأول بعد ثورتها لوجدنا أن الفوضى التي نعاني منها لا شيء مقارنة بما كان يحدث هناك في تلك الأيام، ولو أننا قارنا أحداث الفتنة الطائفية التي تقع الآن بما وقع في الهند بعد استقلالها من فتنة بين الهندوس والمسلمين راح ضحيتها الآلاف لما وجدنا وجدنا وجها للمقارنة، ناهيك عن الأوضاع غير المستقرة التي عرفتها دول أمريكا اللاتينية بعد التخلص من الديكتاتوريات العسكرية غير أن هذه الدول جميعا تجاوزت هذه المرحلة القلقة وأسست نهضة ما كان لها أن تتحقق لو لم تتخلص من الاستبداد.. إن حدوث مثل هذه الفوضى و الاضطرابات بعد سقوط نظام طاغ جثم على صدر الشعب طويلا لهو أمر مفهوم عند الاجتماعيين، ذلك أن أي مجتمع لا يخلو من تناقضات بين أديان مختلفة، و مذاهب متباينة، وأيدلوجيات متناحرة، وجماعات عرقية متجاورة، ومصالح طبقية ، وفردية متضاربة ، وفي الدول التي استقرت فيها الديموقراطية فإن إدارة هذه التناقضات يتم بواسطة مؤسسات دستورية و قانونية و مجتمعية، وفي إطار قيم وقواعد حاكمة، أما في الدول الديكتاتورية ، فتحل سلطة القمع محل المؤسسات، و "حكمة القائد" محل القيم والقواعد لذا فإن الغياب المفاجيء للديكتاتور، و تهاوي نظامه يصنع فراغا تكون الفوضى من مظاهره خاصة إذا أضفنا للمشهد تحركات بقايا الطبقة المتسلطة الآفلة في محاولة للانتقام ، و تخبط جهاز أمني يعاني أزمة التحول من كونه أداة للقمع إلى أداة لفرض القانون، و أمام المجتمع اليوم خياران؛ خيار الأمم الحرة و هو النضال من أجل صياغة المؤسسات الوطنية الرسمية و الشعبية ، و القواعد الحاكمة الكفيلة بتنظيم أمور البلد و القضاء على الفوضى مهما كان الطريق عسيرا، و السير شاقا ، أو القبول تحت سيطرة الخوف بالنكوص عن طريق الحرية ، و تسليم مصير البلاد لدورة جديدة من القمع تحت وهم التخلص من الفوضى و الفتن و الاضطراب ، و وهم العيش بأمان لا يمكن أن يكون حقيقيا إلا في دولة ديموقراطية و عادلة ، و إلا فهو أمان الأنعام التي تحيا فيه لأيام و شهور دون أن تشعر بالسكين الذي يتربص بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق