الأربعاء، 11 مايو 2011

تجارب تنموية عبر العالم ((2) ماليزيا: تنمية تستلهم الروح الإسلامية، و تنحاز للإنسان


(نقلا عن شرق برس)
استطاعت ماليزيا ان تثبت للعالم أجمع ان المسلمين قادرون علي تحقيق نهضة اقتصادية واعدة اذا ما امتلكوا زمام امورهم وذلك علي الرغم من تعدد الانتماءات العرقية فقد تغلبت علي كل الصعاب عن طريق استخدام الين في حل جميع المشاكل ، فاستطاعت ان تهزم الفقر وتقدم نموذجا اسلاميا فريدا يحتذي به.
فماليزيا التى تبلغ مساحتها (329.758) كيلو مترًا مربعًا، في منطقتين يفصل بينهما البحر الصيني الجنوبي لمسافة (531.1) كيلو متر، وتحدُّ ماليزيا الشرقية من الشمال جزر الفلبين، ومن الجنوب ولاية (كاليمنتان) الإندونيسية، أما ماليزيا الغربية فيحدُّها من الشرق البحر الصيني الجنوبي ومن الغرب مضيق مالاقا ثم جزيرة (سومطرة) الإندونيسية، أما من الشمال فـ(تايلاند) ومن الجنوب جزيرة (سنغافورة).
ويبلغ عدد سكان ماليزيا 28 مليون و نصف المليون نسمة ويتألفون من مجموعات متعددة، فالمسلمون يشكِّلون 56% منهم، والصينيون البوذيون 32%، والهندوس10%، والمسيحيون ومجموعات محلية 2%، وأغلب المسلمين من الملايويين، أما الصينيون فبوذيون والهنود هندوس، وقليل من الصينيين والهنود مسلمون.

كيف تهزم الفقر؟
تعتبر تجربة مكافحة الفقر في ماليزيا من أبرز التجارب التي كُللت بالنجاح على مستوى العالم الإسلامي الذي يعيش 37% من سكانه تحت خط الفقر، فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) تخفيض معدل الفقر من 52.4% إلى 5.5%؛ وهو ما يعني أن عدد الأسر الفقيرة تناقص بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه الحال في عقد السبعينيات.
ويتوقع إذا استمرت جهود الحكومة في محاربة الفقر على نفس الوتيرة أن يصل معدل الفقر بحلول العام 2005 حوالي 0.5%، ويكون الفقر المدقع قد تم القضاء عليه قضاءً مبرماً.
واللافت في تجربة ماليزيا أن الحكومة وجهت برامج تقليل الفقر التي تم تنفيذها لتقوية الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة المكونة للشعب الماليزي، واستخدمت هذه البرامج كوسيلة سلمية لاقتسام ثمار النمو الاقتصادي، حيث كان التفاوت الكبير في الدخول، وعدم العدالة في توزيع الثروة سبباً في وقوع اشتباكات دامية بين الملايو (يشكلون الأغلبية 55%) والصينيين (يشكلون الأقلية 25%) في مايو 1969.
وبذلك ساهمت جهود تقليل الفقر بجدارة في تقليل التوترات العرقية وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي صار عنواناً لنهضة ماليزيا وازدهارها الاقتصادي.
وتسعى السطور القادمة إلى استعراض تجربة مكافحة ماليزيا للفقر من حيث الفلسفة والسياسات والبرامج، إضافة لتقديم نماذج عملية على مستوى القرى علها تقدم عبرة للفقراء في العالم الإسلامي.
فلسفة مكافحة الفقر
تقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه فإن مكاسب التطور الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابياً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى والمجموعات العرقية الأكثر فقراً في المجتمع والأقاليم الأقل نمواً.حسبما ذكر الدكتور محمد شريف بشير استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة لموقع اسلام اون لاين .
ولا شك أن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول أن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أفضل ساهما بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
وفي دول جنوب شرق آسيا عامة وماليزيا خاصة، أدت زيادة النمو بمعدل نقطة مئوية واحدة إلى تقليل عدد الفقراء بنسبة 3% أو أكثر، وهي أعلى زيادة تم تحقيقها بين الدول النامية.

فلسفة التنمية

وقد تُرجمت فلسفة التنمية في السياسات الاقتصادية التي وضعتها الحكومة بين عامي (1971-1990)، والتي وُضعت جراء الاشتباكات العرقية الدامية في 16 مايو 1965، وركزت على هدفين: الأول تقليل الفقر، والثاني إعادة هيكلة المجتمع.
وحددت هذه السياسة إستراتيجيات معينة لتقليل الفقر، مثل زيادة امتلاك الفقراء الأراضي ورأس المال المادي ورفع مستويات تدريب العمالة وزيادة الرفاهية العامة.
وتم التركيز على تحسين الزيادة النوعية والكمية في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء، وكانت هناك مجموعات عديدة من السكان الفقراء في الريف والحضر محل عناية خاصة باعتبارها الأشد فقراً.
كما تزايد الاهتمام القومي بمشكلة الفقر في 1974 عقب احتجاجات طلابية نتيجة تدهور أوضاع صغار مزارعي المطاط نتيجة انخفاض الأسعار وزيادة تكلفة الإنتاج.
واستمر هدف مكافحة الفقر في الخطط القومية للتنمية حتى إنه تم تعديل تعريف خط فقر الدخل عام 1986 في النصف الثاني من الخطة الخمسية الخامسة (1984-1990) ليأخذ في حسبانه إلى جانب احتياجات الحياة الضرورية من الغذاء وغير الغذاء، ما يجب أن يحصل عليه الفقراء من الملكية العقارية وصافي التحويلات المالية، وذلك حتى يعكس المؤشر الأبعاد المتعددة لطبيعة الفقر ونوعية الاحتياجات الأساسية (الغذاء والمسكن والملبس والخدمات الأساسية من مياه الشرب النقية والصحة والتعليم والمواصلات…) وفرص المساهمة الإيجابية المتاحة أمام الفقراء ومحدودي الدخل في عملية التنمية الاقتصادية.
من جهة أخرى تم تبني إستراتيجية لتوزيع الدخول في كل السياسات والخطط التنموية المشار إليها، هدفت مكافحة الفقر المدقع وإعادة هيكلة العمالة وزيادة تنمية الأعمال التجارية والصناعية للأغلبية الفقيرة من السكان الأصليين؛ مما أفضى إلى نتائج مهمة، منها انخفاض معدلات الفقر وتناقص فوارق الدخول بين المجموعات السكانية المختلفة.
في الوقت نفسه تضمنت السياسة الضريبية في ماليزيا بعداً اجتماعياً يستفيد منه الفقراء ؛ وذلك بتأكيد مبدأ التصاعدية في ضريبة الدخل، حيث يبلغ الحد الأدنى من الدخل الخاضع للضريبة حوالي 658 دولار أمريكي في الشهر، وتؤخذ الضريبة بعد خصم أقساط التأمين الصحي، ونسبة عدد الأطفال، ونفقات تعليم المعوقين من الأطفال ومن يعول من الوالدين، ومساهمة صندوق التأمين الإجباري.
كما أن الدولة الماليزية شجعت المواطنين المسلمين (أفرادا وشركات) على دفع الزكاة لصالح صندوق جمع الزكاة القومي الذي يدار بواسطة إدارة الشؤون الإسلامية في مقابل تخفيض نسبة ما يؤخذ في ضريبة الدخل.

دعم الفقراء
وقد نفذت الحكومة في إطار فلسفتها وسياساتها المواجهة للفقر برامج محددة أبرزها:
1-برنامج التنمية للأسر الأشد فقراً: ويقدم فرصاً جديدة للعمل بالنسبة للفقراء، وزيادة الخدمات الموجهة للمناطق الفقيرة ذات الأولوية بهدف تحسين نوعية الحياة. ودعم جميع الحاجات.
2- برنامج أمانة أسهم البوميبترا: وهو برنامج تمويلي يقدم قروضاً بدون فوائد للفقراء من السكان الأصليين (البوميبترا) وبفترات سماح تصل إلى أربع سنوات، ويمكن للفقراء أن يستثمروا بعضاً من هذه القروض في شراء أسهم بواسطة المؤسسة نفسها.
3- برنامج أمانة اختيار ماليزيا: وهو برنامج غير حكومي تنفذه مجموعة من المنظمات الأهلية الوطنية من الولايات المختلفة، ويهدف إلى تقليل الفقر المدقع عن طريق زيادة دخول الأسر الأشد فقراً، وتقديم قروض بدون فوائد للفقراء، وتقدم الحكومة من جانبها قروضاً للبرنامج بدون فوائد من أجل تمويل مشروعاته للفقراء في مجال الزراعة ومشروعات الأعمال الصغيرة.
4- منحت الحكومة إعانات مالية للفقراء أفراداً وأسراً، مثل تقديم إعانة شهرية تتراوح بين 130-260 دولارا أمريكيا لمن يعول أسرة وهو معوق أو غير قادر على العمل بسبب الشيخوخة.
5- تقديم قروض بدون فوائد لشراء مساكن قليلة التكلفة للفقراء في المناطق الحضرية. وأسست الحكومة صندوقاً لدعم الفقراء المتأثرين بأزمة العملات الآسيوية في 1997، تتحدد اعتماداته في الموازنة العامة للدولة سنويًّا، إلى جانب اعتمادات مالية أخرى رغم تخفيض الإنفاق الحكومي عقب الأزمة المالية وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وذلك لصالح مشروعات اجتماعية موجهة لتطوير الريف، والأنشطة الزراعية الخاصة بالفقراء.
6- توفير مرافق البنية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق النائية الفقيرة، بما في ذلك مرافق النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية والمدارس والخدمات الصحية والكهرباء، ونجحت أيضا في توسيع قاعدة الخدمات الأساسية في المناطق السكنية الفقيرة بالحضر في إطار إستراتيجية 2020م.
7- دعم أكثر الأدوية التي يستهلكها الفقراء والأدوية المنقذة للحياة، كما أن إتاحة الفرصة للقطاع الخاص في فتح المراكز الصحية والعيادات الخاصة جعل الدولة تركز على العمل الصحي في الريف والمناطق النائية، وتقدم خدمات أفضل ومجانية في جانب الرعاية الصحية للحوامل والأطفال.
8- القيام بأنشطة يستفيد منها السكان الفقراء مثل إقامة المدارس الدينية التي تتم بالعون الشعبي وتساهم في دعم قاعدة خدمات التعليم وتشجيع التلاميذ الفقراء على البقاء في الدراسة.

مشروع الاسلام الحضارى

وقد ذكر الدكتور محمد شريف بشير في احدي ابحاثه المشروع الذي طرحه رئيس وزراء ماليزيا الحالي عبد الله أحمد بدوي لنهضة الأمة على هدي تعاليم الإسلام؛ وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية، ويسمى هذا المشروع بـ"الإسلام الحضاري" (Civilizational Islam/ Islam Hadhari) ، وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة الإنسانية.
ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات العنف والتكفير.
ويعرف رئيس وزراء ماليزيا مشروع الإسلام الحضاري فيصفه بأنه: "جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة، وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي توجه الحياة وترشدها"، كما حدد مبادئه في عشرة أشياء. الإيمان بالله ، وتحقيق التقوى ،والحكومة العادلة والأمينة ، وحرية واستقلال الشعب ، والتمكن من العلوم والمعارف ،و التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة ، وتحسين نوعية الحياة التي تعني سلامة الحياة واستقرارها وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية ، وحفظ حقوق الأقليات ، والمرأة ، بالإضافة الي الأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة ، وحفظ وحماية البيئة ، و تقوية القدرات الدفاعية للأمة .
وقد حدد الدكتور بدوي عشرة عناصر لتحقيق لإسلام الحضاري تمثلت في التعليم والإدارة الجيدة والتجديد في الحياة: بمعنى ترقية أساليبها من ناحية التمدن والحضارة و زيادة جودة الحياة وتوفير متطلبات الحياة الكريمة على أجود هيئة وأكمل حالة وقوة الشخصية من حيث الإخلاص والأمانة والحيوية والنشاط والشمول والسعة حيث يقوم المشروع على الفهم الشمولي للإسلام بالإضافة الي الواقعية والاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي و تعزيز المؤسسة الأسرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق