الاثنين، 23 مايو 2011

حتى لا نفرق الوطن ونكون شيعا


المتابع للحوارت السياسية بين الفرقاء اليوم في مصر يلاحظ تشابها بين بعضها وبين حوارات علم الكلام القديم، و علم الكلام مصطلح يطلق على المناظرات الجدلية التي اشتعلت خلال التاريخ العقلي للمسلمين ، وتحديدا في القرون الهجرية الخمسة الأولى، و أما موضوعها، فكان عقائديا يتعلق بالله، إثبات وجوده بالدليل العقلي، والحديث عن ذاته وصفاته، و كذا اثبات النبوات، والرسالات ،و الشرائع عقليا، و امتد للحديث في قضية الإمامة و الأحداث التي دارت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بسبب إصرار بعض الفرق الإسلامية لاعتبار هذه المسائل من قضايا الأصول التي يتعلق بها هذا العلم و ليس من الفروع.. ربما تسألني و ما وجه المقارنة بين جدل يدور حول هذه الموضوعات، والجدل الحالي في الساحة المصرية الذي يدور حول قضايا سياسية بالأساس، و أزعم أن المتأمل يجد وجها كبيرا للشبه في الطرق التي يتم بها النقاش بين المختلفين، و إن كانت الموضوعات مختلفة تماما في الحالتين.. اعتمد علم الكلام تقنيتين جدليتين، التقنية الأولى طريقة الهدم المنطقي؛ لنفترض أنني أؤمن بالفكرة "س"، وأني أسست اعتقادي عليها على القاعدتين "أ"، "ب" اللتين نعتقد أنا وأنت أنهما صحيحتان، و أنت تؤمن بالفكرة "ص" و أنك أسست اعتقادك فيها لأنها نتيجة منطقية للقاعدتين "جـ" ، و "د" اللتين أعتقد أنا وأنت أيضا أنهما صحيحتان، و أن الفكرة "س" مع ذلك تعارض الفكرة "ص" على نحو يفترض أن نحدد أيهما صحيح ، و أيهما خاطيء، فتأتي أنت (كمناصر للفكرة "ص") وتقول: إذا كانت "س" صحيحة فهذا يؤدي بالضرورة إلى أن تكون الفكرة "ع" صحيحة (لاحظ أن الفكرة "ع" هذه لم أقل بها أنا ولكنك افترضتها أنت على أساس أنها تستخلص منطقيا و بالضرورة من "س") و الفكرة "ع" هذه تتناقض مع الفكرة "أ" التي يجب أن تكون صحيحة حتى تكون الفكرة "س" نفسها صحيحة، و هذا تناقض منطقي يجعل استدلالي من وجهة نظرك باطلا، فآتي أنا و أرد عليك قائلا: " ولكن الفكرة "ص" أيضا التي تؤمن أنت بها تؤدي منقطيا للنتيجة "ط"و هي تتناقض مع الفكرة "حـ" التي يجب أن تكون صحيحة لكي تكون الفكرة "ص" صحيحة إذن فالفكرة "ص" باطلة، والواضح أن هذه الطريقة في الحوار لا يمكن أن تصل لنتيجة لأنها طريقة تقوم على إفحام الخصوم والرد عليهم ، وليس البحث عن الحقيقة والسعي إليها، و من الواضح أيضا أن الحوار هنا ينتهي من غير أن يسلم أحد للآخر بسلامة موقفه، بل يخرج كل منهما، وقد ازداد غضبا و تعصبا، ولذا يتجه مباشرة للتقنية الثانية : "الهجوم و الاتهام" ، و قائمة الاتهامات الكلامية طويلة تبدأ بالابتداع و الخورج من الفرقة الناجية التي احتكرتها كل طائفة لنفسها، ثم الزندقة، وصولا للتكفير ، و بهذا لم ينتبه المتكلمة لأنهم خرجوا في كثير من أطوارهم عن مقتضى التحذير القرآني" ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون". مع ذلك فإن كثيرا من المجادلات السياسية في بلدنا تستخدم نفس الطريقتين، تابع أي حوار تلفزيوني أو في جروب على الفيس بوك بين ليبرالي، و إسلامي، أو بين ناشط إسلامي و ناشط قبطي ، أو بين مؤيد للمجلس العسكري ، وداع لمجلس مدني ..الخ نجد الحوار يبدأ بمحاولة إفحام الخصوم بالهدم المنطقي لأدلتهم فلما لا يفلح ذلك ننطلق إلى قائمة الاتهامات ، وهي تكرر نفس الاتهامات القديمة، وتضيف إليها قائمة أخرى تبدأ بخيانة دم الثوار، والانتماء للفلول، و العمالة للماسونية، وتلقي تمويل سعودي، أو إ يراني، أو إسرائيلي، أو أمريكي، أو تدريب خارجي...الخ ، وأحيانا نبدأ في تراشق الاتهامات مباشرة دون أن نمر بالمرحلة الأولى. أسوأ ما في هذه الخلافات أنها و إن كان تبدأ من تصور كل طرف من الأطراف أن لديه ما هو أصلح للوطن ، فإن الصراع يتحول بعد ذلك إلى هدف في حد ذاته يتم المزايدة في سبيل الفوز فيه على الوطن نفسه و مصالحه، فيتم نسف جلسة يفترض أنها للحوار الوطني حتى يظهر البعض أنه "ثوري طحن" لا يقبل أن يشارك "فلة من فلل الوطني المنحل" استنشاق هواء نفس الغرفة أو يتم استغلال الأحداث الطائفية، و التركيز الإعلامي عليها بطريقة تشعل الحرائق ولا تطفئها على أمل أن تمسك نار هذه الحرائق بثوب التيار الإسلامي الذي لا يتعاطف معه أغلب الإعلام وتحرقه ، دون انتباه لأن النفخ في النار قد يحرق البيت كله الذي هو الوطن، وبهذا المنطق يقوم بعض النشطاء على الجانب الآخر بتشويه مفكر مجتهد نحسبه محترما و مخلصا كعمرو حمزاوي لأنه مر عرضا عبر بوابة الحزب الوطني قبل أن يقدم استقالته قبل أعوام، أو لأنه استدرج للحديث في منطقه حساسة تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية ليست في مقدمة جدول أعمال الوطن ولا ينبغي أن تكون، بل إن جدول أعمال الوطن هذا لا يبدو أنه محل احترام أو اتفاق، فبينما تدل شواهد عديدة أن تيارا غالبا في الشارع يولي اهتماما أكبر في هذه المرحلة للقضايا الاقتصادية لا يزال البعض بعتبر أولويته مجلسا مدنيا للحكم ضاربا عرض الحائط بنتيجة استفتاء لم يستطع أن يشكك في نزاهته، فانتقل لمرحلة الاتهامات، وهي اتهامات تطال الغالبية من أبناء الوطن متهمة إياهم بالجهل و السذاجة، و الخضوع للابتزاز الديني ، وفي ذلك ما لا يخفى من الاستعلاء الذي نندهش أن يصدر من دعاة للديموقراطية لكنها روح الصراع عندما يصبح الانتصار فيه هدفا يندفع الإنسان لتحقيقه على حساب الديموقراطية، والأخلاق، و على حساب الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق