الخميس، 5 مايو 2011

المباديء الإسلامية للاقتصاد


أصبح مفهوم الاقتصاد الإسلامي من المفاهيم المتداولة والتي يستخدمها العلماء و الاقتصاديون و الدعاة و العامة على نحو غير محدد ، وقد يوحي المصطلح بوجود نظرية اقتصادية إسلامية قائمة بالمعنى الأكاديمي للنظرية الاقتصادية، وهذا غير صحيح بشكل مطلق، فالنظرية الاقتصادية تعني الإجابة على ثلاث أسئلة هي "ماذا؟" ننتج، و "من؟" يقوم بالانتاج و "كيف؟" نقوم بتوزيع فعال و عادل لعوائد هذا الانتاج، و لا توجد إجابة إسلامية محددة لهذه الأسئلة، فهي متروكة لاجتهاد أهل الخبرة و الاختصاص ، وقد تتغير الإجابة من مكان لآخر ومن فترة زمنية لأخرى تبعا لظروف المجتمع الراهنة، وحسب المصلحة، ولا عيب في ذلك فحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله، فلا توجد إجابة شرعية عن سؤال ماذا ننتج؟ ، وأي السلع والخدمات التي ينبغي أن نوجه الاهتمام بها ونعطيها الأولوية، وهذا من أمور الدنيا التي يعلم بها أهل الاختصاص، ففي الدول كثيفة السكان قد يكون الاهتمام بالانتاج كثيف العمالة أولى بعكس الدول قليلة السكان حيث من الأفضل الاعتماد على الانتاج قليل العمالة عالي التكنولوجيا، كما تدخل اعتبارات الميزة النسبية و التنافسية ضمن عوامل الاختيار إلى غير ذلك مما يبسطه الاقتصاديون في كتبهم ودورياتهم، كذا لا توجد إجابة شرعية على سؤال "من؟" فلا نصوص شرعية تحتم على الدولة المشاركة في عمليات الانتاج وبناء المصانع و السيطرة على الموارد أو ترك العملية برمتها للقطاع الخاص، و قد أخطأ الشيخ مصطفى السباعي حين ادعى انحياز الشرع للخيار الأول كما أخطأ آخرون ادعاء أن الشرع مع خيار السوق ، فهذا أيضا متروك للمجتمع يحدد خياراته ويعدلها وفقا للظروف الموضوعية، و نفس الأمر ينطبق على سؤال "كيف؟" فهل نعتمد خيار الدعم المادي أم الدعم العيني، أو نحافظ على الدعم أو نقلل حجمه أو نزيده كل ذلك مما ليس في الشرع محددات له سوى صدق النوايا و مراعاة المصلحة العامة، فهل يعني ذلك أنه لا يوجد أي مبرر لإطلاق عبارة "الاقتصاد الإسلامي"؟..هذه أيضا ليست الإجابة الصحيحة ، فقد وضع الإسلام مرجعية قيمية للنشاط الاقتصادي، وللقرارات الاقتصادية تهدف لأن ينسجم هذا النشاط ضمن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية في عمارة الأرض، و تكريم الإنسان، ويمكن أن نحدد في ما يلي بعض عناصر هذه المرجعية:
1- منع استغلال عوز الناس أو جهلهم -- انطلاقا من هذه القاعدة جاء تحريم الربا ، و تحريم تلقي الجلب، وبيع الحاضر للباد إلى آخر الممارسات المنهي عنها في الشرع التي كانت تقوم على استغلال الفقراء أو الضعفاء، أو السذج

2- حفظ حقوق الأفراد و تحريم التعدي على الملكيات: من ذلك الأمر بكتابة الديون، وتغليظ عقوبة تغيير منار الأرض، و تحريم أكل الأموال بالباطل

3- اعتماد التنافسية الشريفة القائمة على منع كافة أشكال الاحتكار بما يحقق العدالة بين المنتجين و مصلحة المستهلكين

4- التصدي للغش، واعتماد مبدأ الشفافية في المعاملات: تأسيسا على ذلك حرمت الشريعة كل البيوع القائمة على الغرر مثل بيع المنابذة و الملامسة، وبيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وبيع حبل الحبلة إلى آخره

5- الندب إلى إعمار الأرض و إصلاح الموات: أتت الأحاديث بثواب من يزرع زرعا يأكل منه إنسان أو حيوان، و كان من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) أن من أصلح أرضا فهي له

6- حماية الطبقات الأضعف ، و توفير الحياة الكريمة لهم ، و قد حرصت الرؤية الإسلامية على الحفاظ على دورين متكاملين لكل من الجانب الرسمي و المجتمع المدني في هذا الأمر، فحث على المبادرة الفردية للعمل الخيري، و ندب إلى الإنفاق، وإيقاف الأوقاف و غيرها من أوجه العمل الخيري الاجتماعي من جانب، ومن الجانب الآخر فقد كانت الممارسة في العهد النبوي و عهد الخلافة الراشدة واعية للدور الذي يجب أن تلعبه الحكومات في ذلك ، فعندما كثر الفيء في السنوات الأخيرة لحياة الرسول أعلن تكفله (باعتباره حاكم المسلمين ) بديون من توفي وعليه دين لا يستطيع ورثته سداده، كذا قام عمر بن الخطاب بصرف الرواتب بانتظام من بيت المال ، و تقديم الرعاية الحكومية لغير القادرين من المسلمين وغيرهم من مواطني الدولة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق