الجمعة، 20 مايو 2011

مفاهيم إسلامية (3): المسئولية الإجتماعية في الإسلام

المسئولية الاجتماعية مفهوم يطلق على الالتزام بواجب تجاه المجتمع بداية من الأسرة ، ثم العشيرة، و الحي، إلى المدينة، فالدولة وصولا إلى الالتزام تجاه المجتمع الإنساني كله، بل حتى العالم بدوابه، ونباته، وجماده، وقد تم توسعة المفهوم في العقود الأخيرة ليشمل المسئولية الاجتماعية للأشخاص الاعتباريين من شركات و مؤسسات، باعتبارها وسيلة بديلة أو مكملة لتدخل الدولة في إعادة توزيع الثروة و ينتشر الدور الاجتماعي للشركات بشكل كبير في الولايات المتحدة ولعل أشهر نماذجه التي نعرفها في مصر وقفية مؤسسة فورد، و وقفية بيل و ميليندا جيتس، وقد تنطلق المسئولية الاجتماعية من مباديء دينية/أخلاقية ، أو من رؤية براجماتية ترى أن تطور المجتمع، وتحسين معاييره ينعكس بالنهاية على المصالح الشخصية للمتطوع و يسهم في زيادة أرباحه، و تشمل تطبيقات المسئولية الاجتماعية جميع أشكال المشاركة التطوعية، الحزبية، والثقافية، والخيرية، و تتضمن إطلاق و دعم و المساهمة في مبادرات رعاية الفقراء، و الأيتام، و المبادرات التعليمية، و التثقيفية، و مبادرات إعادة التأهيل و التدريب، و دعم الاقتصاد ، و تحسين نوعية المسكن، و المبادرات البيئية المتعلقة بالنظافة، و الصرف الصحي، و التوعية البيئية، و نشر ثقافة توفير الطاقة والحفاظ على البيئة، و تمويل ابحاث الطاقة النظيفة، والمشاريع العلاجية، والصحية المختلفة، و نشر الوعي السياسي، و الفكري، كما يشمل مفهوم المسئولية الاجتماعية السعي لنشر ثقافة حقوق الإنسان، و الوقوف بوجه الممارسات السلطوية القمعية ، و كذا الدفاع عن حقوق العمال، و الفئات الأكثر تعرضا للظلم و غير ذلك من أنواع العمل التطوعي الذي يلتزم بشرطين: أن يكون غير حكومي، وألا يكون هادفا للربح، و مفهوم المسئولية الاجتماعية راسخ في النصوص الإسلامية التي لا تحصى تحض على التكافل الاجتماعي، والإنفاق، وبذل الخير بكافة سبله، و العمل بما ينفع الناس، ، كما أنه راسخ في النصوص التي تعتبر أفراد المجتمع بناء واحدا يشد بعضه بعضا، و جسدا، واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، كما أنه حاضر في فريضة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر التي ترى لكل فرد من أفراد المجتمع دورا إيجابيا يمتد خارج مصلحته الضيقة إلى الدعوة للإصلاح (الأمر بالمعروف) ، والوقوف في وجه كافة صور الظلم، والفساد (النهي عن المنكر)، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يشبه في حديثه المجتمع بمركب واحد لا يمكن لبعض ركابه أن يسمحوا للجانحين بخرقه ، وإلا غرق بالجميع، بل وجب عليهم أن يردوهم ويأخذوا على أيديهم، وهو في ذلك يؤكد (صلى الله عليه وسلم) على مضمون الآية الكريمة (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) أي لو أن النهي عن الفساد كان منتشرا بينهم لما وقعوا في الهلاك، والقرآن الكريم يحذر أيضا (ولا تركنوا إلا الذين ظلموا فتمسكم النار، و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)، و القرآن يعتبر على المسلم لجيرته ، و محيطه حقا يجب أن يؤديه (و آت ذا القربى حقه والمسكين، وابن السبيل، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، و الصاحب بالجنب ، وابن السبيل)، و يحث على اقتحام العقبة (وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة) ، و قد كان الرق، و الجوع من المشكلات الملحة في بلاد العرب على عصر نزول القرآن، وتقاس عليهما كل مشكلة اجتماعية ملحة في أي مجتمع، فقد تكون العقبة في مجتمعنا تطوير منطقة عشوائية، أو التبرع لعلاج مرض متوطن كالتهاب الكبد..الخ.. يعرف القرآن حقيقة البر بعيدا عن الالتزام الفارغ بالشكل ، لافتا المسلم للإلتفات إلى جوهر التدين (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب، ولكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر، والملائكة، والكتاب ، والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، والسائلين، وفي الرقاب، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس).. تنطلق الرؤية القرآنية من حقيقة دور رسالي للإنسان على الأرض هو السعي في عمارتها (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، و العمران الذي ينشده القرآن ليس هو ذلك العمران المادي الذي يعتبره النص في موقع آخر هباء مصيره الزوال (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس).. إن السعي في العمران يرتبط في الرؤية القرآنية بواجب تجاه الآخرين (و الذين في أموالهم حق للسائل و المحروم)، بل إن الرؤية القرآنية ترى المال موردا للمجتمع بأسرة حتى لو كان في يد شخص بعينه، فلا يحق له أن يهدره سفها، ويجب على المجتمع أن يمنعه من ذلك (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم و ارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)، بل إن الحق المعلوم للمجتمع على الفرد لا يقع فحسب فيما يمتلكه من مال، بل أيضا فيما يمتلكه من علم (و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)، و فيما يمتلكه من صحة و جهد، ففرض الجهاد لرد الأعداء على من يطيق مشقته، ولم يعذر إلا المريض، و ذا العاهة ، و من يقاس عليهم من الضعفاء، و لقد كان النبي (صلى الله عليه و سلم) في سيرته الشخصية نموذجا للمسئولية المجتمعية فقد عاش حياة شعارها العطاء، فقد سخر حياته كلها للدعوة، والجهاد، وسخر ماله كله للنفقة في وجوه الخير، حتى كان يمضي الشهر و الشهران لا يوقد في بيته نار للطبخ، و لقد أعطى يوما لرجل إبلا تملأ سهلا بين جبلين ، ومات و درعه مرهونة عند يهودي كما روى البخاري ، وقد قال يوما لأبي ذر (ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه)، و قد حث أمته على النصيحة (أي الإخلاص في العمل و القول) لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم، وعلى البذل، والإنفاق فيما لا يحصى من الحديث الذي نستغني عن شهرة الكثير منه عن ذكره، و لكننا نذكر أن وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجاوزت المسئولية تجاه البشر إلى المسئولية تجاه البيئة فقد نهى عن الإسراف في الماء في الوضوء و إن كان على نهر جار ، و إذا كان ذلك الحال في الوضوء الذي هو من أعظم الطاعات، فلا شك أن الاقتصاد في غيره من الاستخدامات أولى، و قد ثبت عنه قوله (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) ، وقد نهى عن قتل الحيوان لغير حاجة من طعام فنهى أن يتخذ ما فيه الروح عرضا (أي في رياضة الرماية، و التدريب على السلاح)، ونهى عن قطع الأشجار لغير ضرورة.. شرع النبي (صلى الله عليه وسلم) الوقف قبل أن يعرف الغرب هذا النموذج من البر، وقد انتشرت الأوقاف في العالم الإسلامي لقرون، وكانت تمول الأسبلة، و الملاجيء، والمستشفيات، والمدارس، والجوامع، و تنفق على طلبة العلم، و على صيانة الجسور، والترع، وحتى صيانة الأرصفة، و غيرها من المصارف دليلا على تدفق روح المسئولية الاجتماعية عبر تاريخ المسلمين، وهي الروح التي لا تزال متقدة في نفوس أبناء الأمة برغم ما يغطيها من طبقات السلبية، واللامبالاة، الأمر الذي يجعلنا في حاجة لمبادرات مبتكرة و فعالة للنفخ في تلك الجذوة، وإذكائها، وحسن الاستفادة منها في نهضة البلاد.

(أمانة الإعلام و التوعية المجتمعية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق