الخميس، 26 مايو 2011

مصطلحات فكرية و فلسفية (1)

قد يحتاج الإنسان لفهم مدلول بعض المصطلحات التي قد يجدها متداولة في الخطاب الثقافي، و النقاشات بين الاتجاهات الفكرية ، حتى يستطيع أن يفهم المقصود بالضبط، وبالتالي يستطيع أن يقيمه و يدرك مدى صحته أو خطؤه، سوف نتحدث في هذا الموضوع عن مصطلحات غير سياسية بالدرجة الأولى و إن كان بعضها يلامس السياسة بالطبع.لا يهدف هذا المقال، والمقالات الأخرى في هذه السلسلة للدفاع أو الترويج لأي موقف فكري معين ولكن لشرح موضوعي و مبسط قدر الإمكان لمجموعة من المصطلحات الثقافية التي قد يواجهها القاريء العادي

1- فكر أو فلسفة مثالية:
يعتبر الفكر المثالي أن الوصول للنظريات الصحيحة يكون من خلال الدليل العقلي ، أي البرهان ، سواء كان منطقيا أو رياضيا، ويعتقد المفكر المثالي أن الحواس وحدها غير كافية للوصول إلى الحقيقة بل تكون خادعة (فالأرض مثلا تبدو للعيان و كأن الشمس تدور حولها ، بينما أثبت كوبرنيكوس بالبرهان العقلي أنها هي التي تدور حول الشمس من قبل أن يثبت جاليليو ذلك تجريبيا من خلال تليسكوبه)، و الفكر المثالي أيضا يعتبر العقل معيارا وحيدا للوصول للحقيقة بخصوص القيم الأخلاقية، و المسائل الاجتماعية، فتحديد ما هو عادل أو جميل، أو ما هو صحيح من أنظمة الحكم و أساليبه يتحدد عندهم بناء على النظر العقلي بصرف النظر عن أي اعتبار عملي أو تفضيل شخصي.. المفكر المثالي الأبرز هو أفلاطون ويمكن اعتبار الفلسفة الكلاسيكية كلها فلسفة مثالية، وقد صارت للمثالية سمعة سيئة في الغرب مع بداية عصر النهضة، و اعتماد المناهج التجريبية ، لكنها اكتسبت زخما جديدا مع الفيلسوف الألماني عمانويل كانط حيث كتب كتابه (نقد العقل الخالص) حاول فيه من خلال محاجات معقدة أن يوضح لماذا و كيف يكون العقل الخالص ممكنا؟ (أي يستطيع الوصول لنتائج صحيحة بدون اللجوء للتجربة أولا). كان إنجاز إسحق نيوتن الرياضي حاسما في إعادة الفكر المثالي للحياة حيث استطاع وضع قوانين للحركة اعتمادا على البرهان الرياضي و بدون اللجوء لأي تجارب، وقد توافقت التجارب بعد ذلك مع افتراضاته النظرية..الفكر العربي القديم و الحديث و المعاصر في معظمه فكر مثالي بالمفهوم السابق حتى في شقه العلماني.

2-فكر أو فلسفة وضعية:
الفكر الوضعي هو النقيض الموضوعي للفكر المثالي، فهو يعتقد أن وظيفة المفكر و العالم ترتبط بوصف الأوضاع القائمة ،و ليس البحث عن نماذج عقلية لتفسير العالم كما هو الحال عن المثاليين ، لذا يعتبر المفكر الوضعي الاستنتاجات المعتمدة على الملاحظة هي وحدها التي تنتمي إلى دائرة العلم ، ويعتبر الفكر الوضعي تطويرا للفكر التجريبي لكن إذا كان الأخير يركز على فلسفة البحث العلمي ، فإن الفكر الوضي يتوسع في الفكرة لتشمل كل أنواع العلوم بما في ذلك علم الأخلاق، والاجتماع و علم النفس..الخ، فمن هذا المنطلق فقط النتائج التي يمكن استخلاصها من ملاحظات هي الجديرة باعتبارها حقائق، و ينطلق الفكر الوضعي من محاولة تطوير العلوم الإنسانية لتصبح لها نفس الدرجة من الإطلاق و الموضوعية التي صارت للعلوم الطبيعية الحديثة التي تأسست على العلم الحديث. لا ينظر الفكر الوضعي بشكل عام للدين بصورة إيجابية، باعتبار العقائد تتعلق بما وراء المحسوس و بالتالي خارج دائرة الحقيقة العلمية كما يفهمها هذا الفكر..أشهر فلاسفة الوضعية هو الفرنسي أوكست كونت ، وقد صار الفكر الوضعي الفكر المعتمد لعصر التنوير الأوروبي، خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لكن نجمه أخذ يأفل بعد ذلك مع بداية التشكك في إمكانيات العلم وقدرته على الوصول لحقائق لها صفة الثبات و الحقيقة المطلقة..ارتبط ذلك مع الانقلاب الذي حدث في الفيزياء مع ظهور نظرية النسبية و ميكانيكا الكم، والتي أثبتت خطأ ما كان يعتبر حقائق قطعية في العلم منذ نيوتن ، و ارتبط تراجع الوضعية أيضا بصدمة الحرب العالمية الثانية و ما بدا من أن العلم الذي كان واعدا بصناعة الجنة على الأرض خلال عصر الأنوار الأوروبي صار قادرا فقط على صناعة الجحيم، مما أدى إلى عدد من المراجعات الفكرية أدت إلى عودة الاعتبار للحقائق الروحية عند قطاعات من الفكر الأوروبي ، و لاعتناق المذاهب الوجودية و غيرها من الاتجاهات التي تسمى اتجاهات ما بعد الحداثة. ليس للفكر الوضعي تجل كبير في فكرنا العربي باستثناء اثنين من كبار مفكرينا هما زكي نجيب محمود في مرحلته المبكرة (تراجع لاحقا عن كثير من الأفكار الوضعية) و الدكتور فؤاد زكريا.

3-فكر أو فلسفة وجودية:
الوجودية هي أول التيارات الفكرية المنتمية لفكر ما بعد الحداثة، فإذا كان المثاليون يرون العقل أداة الوصول للحقيقة ، والوضعيون يرون الملاحظة وحدها هي الجديرة بذلك، فإن الوجوديين لا يرون أي معيار موضوعي للوصول إلى الحقيقة، فالحقيقة بالنسبة إليهم ذاتية تتعلق بالإنسان نفسه، فجميع المعايير تظل نسبية، و يظل الصواب و الخطأ متعلقا بتفضيلات كل فرد ، وهم يرون أن الحرية متاحة للإنسان الحرية الكاملة للاختيار بين هذه المعايير و الالتزام بها بناء على قراراته الشخصية، الحرية عند المفكر الوجودي تعني قيام الفرد في الاختيار لنفسه فيما يتعلق بقراراته، و سلوكه، و مواقفه الاعتقادية ، والسياسية، وتقترن الحرية عند المفكر الوجودي بمبدأي الالتزام والمسئولية، فإذا كانت خيارات الأفراد تنتج عن اختياراتهم الحرة،فإنهم ينبغي أن يتحملوا مسئوليتهم عن نتيجتها، فالمسئولية عندهم هي الجانب المظلم للحرية.. يرى المفكر الوجودي الإنسان العاقل حرا بالضرورة حتى لو كان خاضعا للرق أو الحكم القمعي، فإن استمرار خضوعه لهذا الوضع و عدم مقاومته هو عندهم خيار حر ، لأنه يمكنه اختيار رفض هذا الواقع وتحمل مسئولية ذلك حتى لو كانت السجن أو القتل، ولكنه اختار الخضوع للوضع الاجتماعي أو السياسي الراهن، و هو يتحمل مسئولية ذلك و هي الذل و الخضوع، ويرى الفكر الوجودي أن إنكار الإنسان لحقيقة كونه حرا بالضرورة هو انكار لا يؤدي إلا إلى خداع النفس.. ارتبطت الوجودية عند العامة بالفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر لكن الوجودية أقدم من سارتر ، و قد بدأت في القرن التاسع عشر في أعمال سُورِين كيركيجارد و فريدريك نيتشه..المفكرون الأشهر للوجودية ملحدون، لكن ظاهر أن الوجودية لا تعادي الدين بالضرورة، لأنها تعتبر كل قرار (بما في ذلك التدين أو الكفر) خيار للشخص نفسه، ولا تطالب المؤمن بتقديم دليل عقلي لإيمانه، فخيارات الإنسان عندهم لا تتطلب دليلا عقليا ولكن تتطلب قرارا والتزاما به وتحملا لمسئوليته.للوجودية تجليات شهيرة في الفن و الأدب من خلال محاولات كسر التقليد الفني والأدبي، فإذا اعتقد الفنان بأنه لا معيار محدد للصحة والخطأ سوى خيارات الإنسان ، فمن الطبيعي ألا يكون للالتزام بالشكل الأدبي والفني أو حتى البناء المنطقي للعمل الفني معنى ، وقد أدى ذلك لظهور الأدب اللامعقول، ومسرح العبث اللذين راجا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.أشهر المفكرين الوجوديين العرب عبد الرحمن بدوي.

أحمد عدلي
عضو أمانة الإعلام والتوعية المجتمعية بحزب الوسط بالإسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق