السبت، 28 مايو 2011

كيف نريد أن نكتب دستورنا؟


إذا ذكرت لفرنسي أو أمريكي كلمة الدستور فغالبا ستجده يتحدث عن دستور بلاده بنوع من المهابة تصل للقداسة، وبنوع من الفخر الممتزج بالثقة ، و تراه يعتبر دستور بلاده جزءا من هويتها، بل من هويته، أما إذا تكلمت مع عربي عن الدستور فستجده لا يعني الكثير عنده ، هو مجرد وثيقة قانونية لا يدري ما فيها، و قد لا يجدها معبرة عنه، بل ربما طالب بتغييرها أو حتى بإلغائها تماما إلى غير بديل زاعما أننا لسنا في حاجة لاستيراد مثل هذه الصيغ من الغرب.. الفارق بين الموقفين ليس فقط اختلاف في الوعي السياسي لدى الطرفين، بل يكمن بالأساس في طبيعة الدستور نفسه، فالدستور الأمريكي مثلا -ومعه تعديلاته العشر الأولى و وثيقة الحقوق- تمثل اجماعا من التيار الرئيسي للأمريكين حول طبيعة الحكم ودور مؤسساته، والقيم ، و المرجعيات التي يجب أن تحكم البلاد ،بمعنى أن هذه الوثائق تعبر عن المجتمع الأمريكي كما ينبغي أن يكون من وجهة نظر أغلب الأمريكيين، وقل مثل ذلك عن الدستور الفرنسي.. أما بالنسبة للدول العربية، فالدستور صنع بعيدا عن المجتمع ، وفي أحيان بعينها (مثلما كان في تونس بورقيبة) جاء في كثير من أجزائه متبنيا صيغ معارضة للقيم السياسية السائدة في المجتمع، هذا المنطق صنع مسافة دائما بين الشعوب ودساتيرها، بل نظر للدساتير أحيانا على أنها وسيلة لفرض هيمنة غربية، أو تبرير قانوني لسلطة قمعية.. لا شيء من هذا مختلف فيما يتعلق بالتجربة المصرية مع الدساتير، فبعد تصريح 28 فبراير1922، وبينما أغلب المصريين ملتفون حول سعد زغلول باشا و الوفد تم تشكيل لجنة صياغة الدستور بالتعيين من قبل عبد الخالق ثروت و فريق من العدليين (أنصار عدلي يكن خصم سعد زغلول)، وهي اللجنة التي وضعت دستور 1923، وقد كانت لجنة تمثل الأقلية بأكثر مما تمثل الشعب، كان دستور 23 دستور نخبة بالمعنى الكامل للكلمة ، و إذا كان المصريون قد دافعوا عن هذا الدستور و رفضوا دستور 1930 الذي فرضه انقلاب اسماعيل صدقي فما ذلك إلا لأن الأخير كان أسوأ منه ، و أكثر انحيازا للقصر، ولم يكن ذلك رضى بدستور 1923 أو تمسكا فبه في ذاته بدليل أن حركة 1952 ألغت العمل بدستور 1923 من غير معارضة تذكر من أغلبية الشعب ، وقد تصوروا أن الانتقال لمرحلة جمهورية قد يمهد الطريق أمام دستور يخرج من الشعب ويعبر عنه بالفعل، لكن ذلك لم يحدث ، فقد أسند لجماعة من القانونيين وضع دستور دائم للبلاد في 1954 لكن الإطاحة بنجيب، و وصول ناصر لسدة الزعامة قضى على هذه المحاولة، وظلت البلاد بلا دستور دائم حتى 1971 عندما تمت صياغة الدستور الذي تم إنهاء العمل به بعد ثورة 25 يناير، فإن ذلك جاء بعد ما سمي يحركة التصحيح في مايو من ذلك العام التي كانت تهدف للإطاحة بخصوم الرئيس السادات ، وتمكينه من القبض على البلاد بشكل منفرد، لذا فقد جاء الدستور بالصلاحيات الواسعة الممنوحة للرئيس لكي يتم ما بدأته حركة التصحيح هذه ، ويصبغ شكلا قانونيا لهيمنة السادات المنفردة، ولم يغير أي تعديل لهذا الدستور تم في عهد السادات أو مبارك من طبيعة الدستور هذه بل أكدتها، وهو ما زاد سمعته سوءا.. اليوم و نحن نريد أن نضع دستورا جديدا للبلاد فنحن عند مفترق طرق استراتيجي ، فإما أن نكتب دستورا ينطلق من ما تتفق عليه أغلبية شعبنا أو دستور نخبة جديد لا يرى فيه الشعب عنوان له و لقيمه السياسية وهويته الحضارية.. الطريق الأول معروف ، وقد صوتت عليه أغلبية الشعب بالموافقة ، انتخاب مجلس نيابي في أقرب وقت يكون من مهام نوابه الذين يحملون تمثيلا حقيقيا من الشعب اختيار لجنة لوضع الدستور، و بالتالي تكون لهذه اللجنة تمثيلية حقيقية مستقاة من انتخابات شعبية، أما الطريق الثاني الذي لا نجده سوى استنساخ للتجارب التاريخية المبتورة السابقة ، فهو ما يتحدثون عنه من لجنة تأسيسة لصياغة دستور الآن من خبراء و قوى سياسية و شخصايت فاعلة (و كلها شرائح نخبوية) لا يتحدث أكثر الدعاة لها عن انتخابها من الشعب بالاقتراع المباشر. و لا يغير من الطبيعة النخبوية لدستور يوضع بهكذا طبيعة أن يعرض للاستفتاء لأن أغلب الناخبين في هذه الحالة لا يتاح لهم قراءة الدستور كله، أو الإحاطة بمختلف أبعاده، ويصوتون غالبا من خلال انطباعاتهم التي يخلقها الإعلام، وغيره من وسائل تشكيل الرأي العام.

أمانة الإعلام والتوعية المجتمعية
حزب الوسط بالإسكندرية

الخميس، 26 مايو 2011

مصطلحات فكرية و فلسفية (1)

قد يحتاج الإنسان لفهم مدلول بعض المصطلحات التي قد يجدها متداولة في الخطاب الثقافي، و النقاشات بين الاتجاهات الفكرية ، حتى يستطيع أن يفهم المقصود بالضبط، وبالتالي يستطيع أن يقيمه و يدرك مدى صحته أو خطؤه، سوف نتحدث في هذا الموضوع عن مصطلحات غير سياسية بالدرجة الأولى و إن كان بعضها يلامس السياسة بالطبع.لا يهدف هذا المقال، والمقالات الأخرى في هذه السلسلة للدفاع أو الترويج لأي موقف فكري معين ولكن لشرح موضوعي و مبسط قدر الإمكان لمجموعة من المصطلحات الثقافية التي قد يواجهها القاريء العادي

1- فكر أو فلسفة مثالية:
يعتبر الفكر المثالي أن الوصول للنظريات الصحيحة يكون من خلال الدليل العقلي ، أي البرهان ، سواء كان منطقيا أو رياضيا، ويعتقد المفكر المثالي أن الحواس وحدها غير كافية للوصول إلى الحقيقة بل تكون خادعة (فالأرض مثلا تبدو للعيان و كأن الشمس تدور حولها ، بينما أثبت كوبرنيكوس بالبرهان العقلي أنها هي التي تدور حول الشمس من قبل أن يثبت جاليليو ذلك تجريبيا من خلال تليسكوبه)، و الفكر المثالي أيضا يعتبر العقل معيارا وحيدا للوصول للحقيقة بخصوص القيم الأخلاقية، و المسائل الاجتماعية، فتحديد ما هو عادل أو جميل، أو ما هو صحيح من أنظمة الحكم و أساليبه يتحدد عندهم بناء على النظر العقلي بصرف النظر عن أي اعتبار عملي أو تفضيل شخصي.. المفكر المثالي الأبرز هو أفلاطون ويمكن اعتبار الفلسفة الكلاسيكية كلها فلسفة مثالية، وقد صارت للمثالية سمعة سيئة في الغرب مع بداية عصر النهضة، و اعتماد المناهج التجريبية ، لكنها اكتسبت زخما جديدا مع الفيلسوف الألماني عمانويل كانط حيث كتب كتابه (نقد العقل الخالص) حاول فيه من خلال محاجات معقدة أن يوضح لماذا و كيف يكون العقل الخالص ممكنا؟ (أي يستطيع الوصول لنتائج صحيحة بدون اللجوء للتجربة أولا). كان إنجاز إسحق نيوتن الرياضي حاسما في إعادة الفكر المثالي للحياة حيث استطاع وضع قوانين للحركة اعتمادا على البرهان الرياضي و بدون اللجوء لأي تجارب، وقد توافقت التجارب بعد ذلك مع افتراضاته النظرية..الفكر العربي القديم و الحديث و المعاصر في معظمه فكر مثالي بالمفهوم السابق حتى في شقه العلماني.

2-فكر أو فلسفة وضعية:
الفكر الوضعي هو النقيض الموضوعي للفكر المثالي، فهو يعتقد أن وظيفة المفكر و العالم ترتبط بوصف الأوضاع القائمة ،و ليس البحث عن نماذج عقلية لتفسير العالم كما هو الحال عن المثاليين ، لذا يعتبر المفكر الوضعي الاستنتاجات المعتمدة على الملاحظة هي وحدها التي تنتمي إلى دائرة العلم ، ويعتبر الفكر الوضعي تطويرا للفكر التجريبي لكن إذا كان الأخير يركز على فلسفة البحث العلمي ، فإن الفكر الوضي يتوسع في الفكرة لتشمل كل أنواع العلوم بما في ذلك علم الأخلاق، والاجتماع و علم النفس..الخ، فمن هذا المنطلق فقط النتائج التي يمكن استخلاصها من ملاحظات هي الجديرة باعتبارها حقائق، و ينطلق الفكر الوضعي من محاولة تطوير العلوم الإنسانية لتصبح لها نفس الدرجة من الإطلاق و الموضوعية التي صارت للعلوم الطبيعية الحديثة التي تأسست على العلم الحديث. لا ينظر الفكر الوضعي بشكل عام للدين بصورة إيجابية، باعتبار العقائد تتعلق بما وراء المحسوس و بالتالي خارج دائرة الحقيقة العلمية كما يفهمها هذا الفكر..أشهر فلاسفة الوضعية هو الفرنسي أوكست كونت ، وقد صار الفكر الوضعي الفكر المعتمد لعصر التنوير الأوروبي، خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لكن نجمه أخذ يأفل بعد ذلك مع بداية التشكك في إمكانيات العلم وقدرته على الوصول لحقائق لها صفة الثبات و الحقيقة المطلقة..ارتبط ذلك مع الانقلاب الذي حدث في الفيزياء مع ظهور نظرية النسبية و ميكانيكا الكم، والتي أثبتت خطأ ما كان يعتبر حقائق قطعية في العلم منذ نيوتن ، و ارتبط تراجع الوضعية أيضا بصدمة الحرب العالمية الثانية و ما بدا من أن العلم الذي كان واعدا بصناعة الجنة على الأرض خلال عصر الأنوار الأوروبي صار قادرا فقط على صناعة الجحيم، مما أدى إلى عدد من المراجعات الفكرية أدت إلى عودة الاعتبار للحقائق الروحية عند قطاعات من الفكر الأوروبي ، و لاعتناق المذاهب الوجودية و غيرها من الاتجاهات التي تسمى اتجاهات ما بعد الحداثة. ليس للفكر الوضعي تجل كبير في فكرنا العربي باستثناء اثنين من كبار مفكرينا هما زكي نجيب محمود في مرحلته المبكرة (تراجع لاحقا عن كثير من الأفكار الوضعية) و الدكتور فؤاد زكريا.

3-فكر أو فلسفة وجودية:
الوجودية هي أول التيارات الفكرية المنتمية لفكر ما بعد الحداثة، فإذا كان المثاليون يرون العقل أداة الوصول للحقيقة ، والوضعيون يرون الملاحظة وحدها هي الجديرة بذلك، فإن الوجوديين لا يرون أي معيار موضوعي للوصول إلى الحقيقة، فالحقيقة بالنسبة إليهم ذاتية تتعلق بالإنسان نفسه، فجميع المعايير تظل نسبية، و يظل الصواب و الخطأ متعلقا بتفضيلات كل فرد ، وهم يرون أن الحرية متاحة للإنسان الحرية الكاملة للاختيار بين هذه المعايير و الالتزام بها بناء على قراراته الشخصية، الحرية عند المفكر الوجودي تعني قيام الفرد في الاختيار لنفسه فيما يتعلق بقراراته، و سلوكه، و مواقفه الاعتقادية ، والسياسية، وتقترن الحرية عند المفكر الوجودي بمبدأي الالتزام والمسئولية، فإذا كانت خيارات الأفراد تنتج عن اختياراتهم الحرة،فإنهم ينبغي أن يتحملوا مسئوليتهم عن نتيجتها، فالمسئولية عندهم هي الجانب المظلم للحرية.. يرى المفكر الوجودي الإنسان العاقل حرا بالضرورة حتى لو كان خاضعا للرق أو الحكم القمعي، فإن استمرار خضوعه لهذا الوضع و عدم مقاومته هو عندهم خيار حر ، لأنه يمكنه اختيار رفض هذا الواقع وتحمل مسئولية ذلك حتى لو كانت السجن أو القتل، ولكنه اختار الخضوع للوضع الاجتماعي أو السياسي الراهن، و هو يتحمل مسئولية ذلك و هي الذل و الخضوع، ويرى الفكر الوجودي أن إنكار الإنسان لحقيقة كونه حرا بالضرورة هو انكار لا يؤدي إلا إلى خداع النفس.. ارتبطت الوجودية عند العامة بالفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر لكن الوجودية أقدم من سارتر ، و قد بدأت في القرن التاسع عشر في أعمال سُورِين كيركيجارد و فريدريك نيتشه..المفكرون الأشهر للوجودية ملحدون، لكن ظاهر أن الوجودية لا تعادي الدين بالضرورة، لأنها تعتبر كل قرار (بما في ذلك التدين أو الكفر) خيار للشخص نفسه، ولا تطالب المؤمن بتقديم دليل عقلي لإيمانه، فخيارات الإنسان عندهم لا تتطلب دليلا عقليا ولكن تتطلب قرارا والتزاما به وتحملا لمسئوليته.للوجودية تجليات شهيرة في الفن و الأدب من خلال محاولات كسر التقليد الفني والأدبي، فإذا اعتقد الفنان بأنه لا معيار محدد للصحة والخطأ سوى خيارات الإنسان ، فمن الطبيعي ألا يكون للالتزام بالشكل الأدبي والفني أو حتى البناء المنطقي للعمل الفني معنى ، وقد أدى ذلك لظهور الأدب اللامعقول، ومسرح العبث اللذين راجا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.أشهر المفكرين الوجوديين العرب عبد الرحمن بدوي.

أحمد عدلي
عضو أمانة الإعلام والتوعية المجتمعية بحزب الوسط بالإسكندرية

الأربعاء، 25 مايو 2011

بيان أمانة حزب الوسط بالإسكندرية حول الدعوة لتظاهرات يوم 27 مايو 2011

يتابع حزب الوسط ببالغ الاهتمام التطورات الأخيرة التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة الدقيقة من ثورتها المباركة، و يشارك أعضاء أمانة حزب الوسط بالإسكندرية جموع المصريين قلقهم من التسريبات التي تحدثت عن احتمال العفو عن الرئيس المخلوع، و من بطء إجراءات محاكمة المتهمين بقتل الثوار ، و بجرائم الفساد من رموز النظام السابق، كما ينظر أعضاء الأمانة بقلق شديد للتأخر في فرض سلطة القانون، والمواجهة الفاعلة للبلطجة، وللتباطؤ الاقتصادي ، وعجز الحكومة عن مواجهة المشكلات الطارئة خاصة أزمتي البوتاجاز والسولار، ويعتبر أعضاء الأمانة أن الطريق لحل هذه المسائل يكون بتوحيد جهود أبناء الوطن لاستكمال مطالب الثورة ، و التوحد من أجل مواجهة استحقاقات المرحلة السياسية و الاقتصادية وصولا إلى مستقبل أفضل لوطننا، و تأسيسا على ذلك يؤكد أعضاء الأمانة بشدة على ضرورة بقاء الوحدة بين الشعب والجيش باعتبارها حجر الأساس للعمل الوطني ، وعنوانا للثورة التي ما كان لها أن تصل لما حققته لولا دور الجيش ، وانحيازه للشعب، ويفرق الأعضاء في هذا الصدد بين النقد البناء و الواجب لبعض قرارات المجلس العسكري باعتبارها قرارات سياسية لها و عليها ، وبين محاولات التشكيك في نوايا المجلس، وتشويه صورته مما يضر بمصلحة البلاد العليا، كما تؤكد الأمانة بشدة أن أي تصور للمرحلة المقبلة يجب أن يحترم نتيجة الاستفتاء، و تحذر من العواقب السلبية للمطالبات التي تسعى للخروج عن مقتضى الديموقراطية و الالتفاف على إرادة الأغلبية كما عبرت عنها الصناديق، ومن ذلك المطالبة بإطالة المرحلة الانتقالية، أو الدعوة لصياغة دستور قبل انتخاب المجالس النيابية ، وبغير الطريقة التي وافق عليها الشعب كما حددتها المواد المستفتى عليها المتضمنة في الإعلان الدستوري، و تعتقد الأمانة أن الدعوة لتجمعات مليونية واعتصامات مفتوحة يوم الجمعة القادمة الموافقة لـ27 مايو 2011 لا تتناسب مع ظروف المرحلة الحالية التي يجب أن تتكاتف فيها الجهود لإعادة عجلة الإنتاج للدوران بسرعتها القصوى، و الحاجة لعدم خلق أجواء تؤدي لاستمرار الأحوال غير الطبيعية التي ليست في مصلحة البلاد، مع التأكيد على المطالبات المشروعة بالاستمرار في إجراءات محاكمة الرئيس المخلوع و ولديه التي أعلن عن بدئها ، والتعجيل بإجراءات محاكمة من تقوم عليه أدلة الاتهام من رموز الحزب الوطني المنحل ، و الاحتفاظ بالحق في كافة الممارسات الاحتجاججية إذا ثبت تراجع مؤكد عن الوعود بتحقيق مطالب الثورة ، وهو ما لا تجد الأمانة دليلا كافيا عليه، و تؤكد الأمانة أن دعوتها لعدم الانضمام للاحتجاجات المدعو إليها ليست تقليلا من شأن القوى الوطنية التي دعت إليها ، أو الذين قرروا المشاركة فيها ، وإنما خلاف في الرؤى حول الأسلوب الأمثل للخروج من الأزمة الحالية.

الثلاثاء، 24 مايو 2011

عندما تكلم المرحوم المسيري دفاعا عن الهوية


يرى البعض أن هناك استهدافاً للهوية العربية بحد ذاتها أو بشكل خاص، ولكنني أذهب إلى القول أن هذا صحيحاً وغير صحيح فى الوقت ذاته، فهناك ما يهدد الهوية على الصعيد العالمي، حيث أفرزت الحضارة الغربية ظواهر تهدد ظاهرة الإنسان نفسه، من أهمها ما أسميه الاستهلاكية العالمية التي تضرب صميم ثوابت الإنسان وأخلاقياته. لقد ظهر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة حضارة جديدة تتميز بالبرجماتية بمعنى أنها تفضل السهل على الخيّر والجميل. هذه الحضارة حققت انتشاراً غير عادي وأصبح يطلق عليها اسم النظام العالمي الجديد، وهى ترجمة لنظرية أن الناس هم مجموعة من البشر ليست لها هويات محددة، وما يهم هو الوفاء باحتياجاتهم المادية المباشرة، وبذلك اختفى المشروع الخاص وحلت محلة حضارة الكوكاكولا والهامبورجر! ومع تآكل الهوية، يزداد التراخي الإنساني، وتزداد النزعات الذرية في المجتمع، وتصبح الهجرة إلى الخارج أو السطو على بنك أو شراء ورقة يا نصيب هو الحل، وأصبح من الصعب أن نطلب من الجماهير أن تستيقظ مبكرة وأن تضحي بنفسها وأن تؤدي عملها في غياب مثل أعلى!! لابد أن يدرك الناس أن الهوية ليست مجرد فولكلور ولكنها فى واقع الأمر تعبير عن رؤية كاملة للكون.فالناس تستيقظ كل يوم لأداء عملها لتحقيق هدف ما، ولكن بدون وجود هدف تصبح عملية الاستيقاظ عملية بيولوجية خالية من المعنى. بينما أعتقد أنه في ظل وجود مشروع حضاري يعبر عن الهوية وعن رؤية الكون يصبح الاستيقاظ فعل إنساني يسهم في بناء الوطن.

ومع هذا هناك عوامل تهدد الهوية العربية على وجه الخصوص منها أن حضارة الصورة بدأت تحل محل اللغة المكتوبة أو الشفهية، والعرب لم يتملكوا بعد ناصية هذه اللغة الجديدة، ولذا فإن الأفلام الأمريكية والفيديو كليبات (التى تعبر عن رؤية للكون لا تكترث كثيراً بالهوية أو بمجموعة القيم المرتبطة به) تكتسح الإنسان الغربي وتقوضه.

كما أن أكبر تهديد للهوية العربية هو الدولة الصهيونية لأن مشروعها هو بعث ما يسمى "الهوية اليهودية"، وهذا يتطلب تفتيت الهوية العربية ومحوها. ومن هذا المنظور الصهيوني لابد من العودة إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت هناك هوية آشورية وفرعونية وفينيقية، ومن هنا الدعوة للعودة إلى الحضارة الفرعونية، وإلى الحضارة الفينيقية في لبنان والحضارة الآشورية البابلية في العراق!وهذه كلها حضارات متحفية جميلة لكنها ليس لها امتداد في الحاضر. ولكن الدولة الصهيونية تريد أن يصبح الشرق الأوسط مقسم إلى دويلات أثنية ودينية وعرقية، ومن ثم تصبح الدولة العبرية مسألة طبيعية للغاية، لأنه داخل التشكيل الحضاري العربي فإن مثل هذه الدولة تصبح كيانا دخيلا شاذا! وقد ترجم المخطط الصهيوني نفسه في الآونة الأخيرة إلى فكرة السوق شرق الأوسطية ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث يتم تفتيت الهويات، لتظهر الهوية العبرية وتقوم بقيادة المنطقة وتوظفها لصالح الغرب.

هناك كذلك محاولة لضرب الفصحى، وعاء الذاكرة التاريخية، وبدون هذه الذاكرة التاريخية وبدون الفصحى يتحول الإنسان العربي إلى الإنسان ذي البعد الواحد الذي يمكن التنبؤ بسلوكه ويمكن توجيهه ليستهلك السلع التي تنتجها له الشركات عابرة القوميات والحدود والهويات. أما الإنسان الذي لا يدخل ضمن هذه المنظومة فإنه إنسان غير استهلاكي وبالتالي فهو بوسعه مقاومة هذه المنظومة.

لكل هذا لابد أن نتصدى للجهود المبذولة لتفتيت الهوية، فلابد أن نبين لجماهيرنا أن الهجوم على الهويات هو إحدى السمات الأساسية للنظام العالمي الجديد، وأن الهجوم على الهوية العربية هو إحدى البنود الأساسية فى المخطط الاستعماري بالنسبة لعالمنا العربي، وأن نبيّن لهم ضرورة التمسك بالهوية، وأنها ليست مجرد زخرف جميل، وإنما مكون أساسي من شخصيتنا القومية، وأن التنمية بدون تفعيل الهوية أمر مستحيل. وحيث أن منتجات الحضارة الغربية (الأفلام- الفاست فوود- الاستهلاكية) هى التى تهدد هويتنا، يصبح من الضروري أن نبيّن الجوانب المظلمةللحضارة الغربية ولمنتجاتها التى تُصدّر لنا والتى نبتلعها ونهضمها بسهولة بالغة. ومن هنا ضرورة قيام وكالة أنباء عربية متخصصة تعمد إلى رصد هذه الحضارة، بعيدا عن تأثير الإعلام الغربي، وتبيّن الثمن الفادح الذى يدفعه المواطن الأمريكي بسبب سياسات الحكومة الأمريكية. كما يجب أن نطرح مفهوماً للوحدة غير العضوية فيما أسميه "الوحدة الفضفاضة" التى تفسح المجال أمام كل الجماعات الإثنية والدينية أن تعبر عن هويتها، طالما أن هذا التعبير لا يفت في عضد سيادة هذه الدولة. فالنظام التعليمي -مثلا- ينبغي أن يقبل بالتعددية. والوحدة الفضفاضة هذه تسمح لكل دولة أن تدخل في إطار الوحدة العربية دون أن تفقد ما يميزها. فالمغرب -على سبيل المثال- بلد عربي إسلامي، يتسع لجماعات أخرى مثل الجماعات الأمازيغية. والعراق بلد عربي إسلامي يتسع للسُنَّة والشيعة والأكراد والتركمان.

وأعتقد أن نموذج مصر نموذج جيد لهذه الوحدة الفضفاضة، فرغم كل الأحداث (الأخيرة)، يظلأقباط مصر لهم عقيدتهم وهويتهم، ويظلون جزءاً من المجتمع المصري. إن فرض مفهوم الوحدة العضوية يؤدي إلى العنف والصراع، أما مفهوم الوحدة الفضفاضة فسيخلق لكل جماعة فضاءها الحضاري الخاص بها، وسيندرج الجميع داخل إطار التشكيل الحضاري العربي. ولعل ما حققته الدول الأوربية من خلال الاتحاد الأوربي قد يكون نموذجا نسترشد به.

وقد فشلت مشاريع النهضة العربية فى العصر الحديث لأنه، مع الأسف، لا يزال البعض يرى أن جوهر المشروع النهضوي العربي هو التخلي عن هويتنا وتراثنا ثم اللحاق بالغرب. وقد أدى هذا إلى إسكات حاستنا النقدية في علاقتنا بالغرب، ونكتفي بنقل ما يأتينا من أفكار. لننظر مثلا موقفنا من الحداثة؟ هناك من السلفيين من يرى ضرورة رفض كل ما يأتينا من الغرب، وهناك الأصوليين العلمانيون الذين يرون ضرورة (وأحياناً حتمية) تبني منظومة الحداثة الغربية، بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، وكأننا كائنات متلقية تستوعب كل ما يأتينا من الغرب دون أن نعمل ملكتنا النقدية؟ ألا يمكن أن نُخضِع هذه الحداثة الغربية لعملية نقد وتقييم صارمة، فنبيّن جوانبها المظلمة، ثم نطرح رؤيتنا لحداثة إنسانية إسلامية تضم الجميع، ولا تجعل من تصاعد معدلات الاستهلاك مؤشراً يتيماً على التقدم؟

بل فلننظر إلى ما فعلنا مع مدرستين فكريتين مثل البنيوية والتفكيكية. لم يسأل أحد لماذا أصبح الغرب بنيويا معاديا للإنسان؟ لقد تعلمنا قديما الإنسانية الهيومانية من الغرب، فلماذا قرر الغرب فجأة في الستينيات أن يعادي الفكر الإنساني الهيوماني، ويرى أنه ملوث بالميتافيزيقا؟ ماذا حدثلتأتي التفكيكية وتعلن انتهاء المعنى وفشل اللغة، وموت المؤلف؟ لقد تحولنا إلى ناقلين، وعندما ينظر أحدنا إلى كتاب نقد أدبي غربي فإنه ينقل ما فيه بأمانة شديدة، ولا يسأل: إلى ماذا سيؤدي هذا المفهوم، وما مغزاه، وما هي المفاهيم الكامنة فيه؟

وقد لوحظ فى الآونة الأخيرة استقطاباً واسعاً فى الساحة المصرية حول طبيعة هوية مصر، إذ ظهر مرة أخرى دعاة العودة إلى الفرعونية، والذين ينادون بأن "مصر أولاً". وفى تصوري أن هؤلاء لا يفهمون لا حقائق الجغرافيا ولا حقائق التاريخ. ولعلهم لو قرأوا جمال حمدان لفهموا بعض هذه الحقائق، ولعرفوا أن هم الاستعمار الغربي هو فصل مصر عن الجسد العربي، فيتهاوى الجميع سويا. وهذا كان هو هدف معاهدة كامب ديفيد. ألا يتم تقسيم العراق والسودان ولبنان ومحاصرة فلسطين، و "مصر أولاً" جالسة تراقب، وتلعب دوراً ذيلياً غير مؤثر غير مدركة أن كل هذا يهدد أمنها القومي؟ إن مصر (وفلسطين) من أهم البلاد فى العالم من الناحية الاستراتيجية، ولكن بنيتهما التحتية السكانية والاقتصادية لا تمكنهما من الدفاع عن نفسيهما. ولذا حين كانت تحدث نهضة فى مصر كان لابد وأن تدافع عن جناحها الشرقي وتوطد صلتها ببقية العالم العربي، حتى يتحدث الجميع بصوت واحد أو تتحدث مصر باسمهم. هذا ما فعله الفراعنة، وهذا ما فعله إبراهيم باشا فى العصر الحديث، ثم جمال عبد الناصر. ولذا كانت مواجهته مع الاستعمار مواجهة شرسة، انتهت بضربة 67. ثم أطلت الفرعونية و"مصر أولاً" برؤوسها تعبيراً عن هذه الهزيمة، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.

ويسأل البعض متى تستعيد مصر دورها الثقافي، وهل هذا له علاقة بقضية الهوية؟ وللإجابةعلى هذا السؤال لابد أن أوضح أمرين: أولاً يجب علينا أن ندرك أن العالم العربي لم يعد كما كان في منتصف القرن الماضي. ففي الخمسينيات كان يوجد مركز قوي وكثيف للثقافة العربية هو القاهرة، وكانت الأطراف ضعيفة. أما الآن فالأطراف لم تعد ضعيفة إذ يوجد مراكز ثقافية عديدة في العالم العربي من أهمها المغرب وسوريا والعراق قبل الاحتلال ولبنان والسعودية. لقد أقمت فى السعودية عدة أعوام وتعرفت على النشاط الثقافي الثري فيها وعلى مجموعة من المثقفين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من المعرفة والإبداع. كما أننا نعرف جميعاً الإبداعات الفكرية التى تأتينا من المغرب وتؤثر فى كثير من الشباب المصري. كما أنني على علاقة طيبة بكثير من المثقفين والناشرين السوريين وأعرف إسهاماتهم الثرية الكثيرة.

ثانيا يجب أن ندرك أن مصر لن يمكنها أن تستعيد دورها القيادي الثقافي داخل هذا الوضع الجديد فى العالم العربي، حيث لا مركز ولا أطراف، أو أطراف قادرة على الإبداع والإسهام، إلا بعد أن تعرِّف هويتها، ونحن إن عرفّنا هويتنا سيكون بوسعنا أن نعرّف أولوياتنا وأن نقرأ ماضينا وحاضرنا، ومن ثم يمكن أن نتحرك نحو المستقبل. كما أنه إن عرفّنا الهوية فيمكن أن نجند الجماهير لتحقيق مشاريعنا نحو التطوير والتنمية والتحديث. فالإنسان لا يستجيب للقانون العام، وإنما يستجيب لما هو متعين وخاص، إذ بوسعه أن يستوعبه ويستبطنه ثم يتحرك في إطاره. إن أي مشروع للتنمية يتطلب قدرا من الإرجاء لإشباع الرغبات حتى يتحقق قدرا من التراكم. هذا الإرجاء ممكن في إطار مشروع قومي يتجاوز الفرد واحتياجاته المادية المباشرة وهمومه اليومية الخاصة. فبوسع الإنسان أن يحرم نفسه من الإشباع المباشر والفوري في إطار مثل أعلى سيحقق له، ولأولاده من بعده، قدرا من السعادة الآجلة. لكي تقود مصر المنطقة العربية لابد أن تحدد هويتها.

وأنا أتساءل هل مصر بمكوناتها الحالية مرشحة لهذا الدور، أم أننا على مشارف تآكل هذه الهوية؟ وسوف أجيب على كل هذه التساؤلات بصراحة فأقول "أنا متشائم!!" لأن التوجه الآن في مصر هو توجه برجماتي عملي، فنحن نحاول أن نجد حلولا لبعض المشاكل الملحة مثل مشكلة الغلاء، أو المواصلات، أو المساكن، أو الميزان التجاري أو العطش دون أن نضع استراتيجية عامة، ولا يمكن وضع مثل هذه الاستراتيجية إلا بعد أن نعرّف هويتنا ومرجعيتنا النهائية. وأنا أزعم أن هذا المشروع الحضاري الذي يستند إلى تعريف للهوية غائب عن مصر. فالهوية المصرية على المستوى المصري أو العربي أو الإسلامي ستزداد ترهلا وميوعة!!

والله أعلم

منقول من موقع http://www.elmessiri.com/


الاثنين، 23 مايو 2011

حتى لا نفرق الوطن ونكون شيعا


المتابع للحوارت السياسية بين الفرقاء اليوم في مصر يلاحظ تشابها بين بعضها وبين حوارات علم الكلام القديم، و علم الكلام مصطلح يطلق على المناظرات الجدلية التي اشتعلت خلال التاريخ العقلي للمسلمين ، وتحديدا في القرون الهجرية الخمسة الأولى، و أما موضوعها، فكان عقائديا يتعلق بالله، إثبات وجوده بالدليل العقلي، والحديث عن ذاته وصفاته، و كذا اثبات النبوات، والرسالات ،و الشرائع عقليا، و امتد للحديث في قضية الإمامة و الأحداث التي دارت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بسبب إصرار بعض الفرق الإسلامية لاعتبار هذه المسائل من قضايا الأصول التي يتعلق بها هذا العلم و ليس من الفروع.. ربما تسألني و ما وجه المقارنة بين جدل يدور حول هذه الموضوعات، والجدل الحالي في الساحة المصرية الذي يدور حول قضايا سياسية بالأساس، و أزعم أن المتأمل يجد وجها كبيرا للشبه في الطرق التي يتم بها النقاش بين المختلفين، و إن كانت الموضوعات مختلفة تماما في الحالتين.. اعتمد علم الكلام تقنيتين جدليتين، التقنية الأولى طريقة الهدم المنطقي؛ لنفترض أنني أؤمن بالفكرة "س"، وأني أسست اعتقادي عليها على القاعدتين "أ"، "ب" اللتين نعتقد أنا وأنت أنهما صحيحتان، و أنت تؤمن بالفكرة "ص" و أنك أسست اعتقادك فيها لأنها نتيجة منطقية للقاعدتين "جـ" ، و "د" اللتين أعتقد أنا وأنت أيضا أنهما صحيحتان، و أن الفكرة "س" مع ذلك تعارض الفكرة "ص" على نحو يفترض أن نحدد أيهما صحيح ، و أيهما خاطيء، فتأتي أنت (كمناصر للفكرة "ص") وتقول: إذا كانت "س" صحيحة فهذا يؤدي بالضرورة إلى أن تكون الفكرة "ع" صحيحة (لاحظ أن الفكرة "ع" هذه لم أقل بها أنا ولكنك افترضتها أنت على أساس أنها تستخلص منطقيا و بالضرورة من "س") و الفكرة "ع" هذه تتناقض مع الفكرة "أ" التي يجب أن تكون صحيحة حتى تكون الفكرة "س" نفسها صحيحة، و هذا تناقض منطقي يجعل استدلالي من وجهة نظرك باطلا، فآتي أنا و أرد عليك قائلا: " ولكن الفكرة "ص" أيضا التي تؤمن أنت بها تؤدي منقطيا للنتيجة "ط"و هي تتناقض مع الفكرة "حـ" التي يجب أن تكون صحيحة لكي تكون الفكرة "ص" صحيحة إذن فالفكرة "ص" باطلة، والواضح أن هذه الطريقة في الحوار لا يمكن أن تصل لنتيجة لأنها طريقة تقوم على إفحام الخصوم والرد عليهم ، وليس البحث عن الحقيقة والسعي إليها، و من الواضح أيضا أن الحوار هنا ينتهي من غير أن يسلم أحد للآخر بسلامة موقفه، بل يخرج كل منهما، وقد ازداد غضبا و تعصبا، ولذا يتجه مباشرة للتقنية الثانية : "الهجوم و الاتهام" ، و قائمة الاتهامات الكلامية طويلة تبدأ بالابتداع و الخورج من الفرقة الناجية التي احتكرتها كل طائفة لنفسها، ثم الزندقة، وصولا للتكفير ، و بهذا لم ينتبه المتكلمة لأنهم خرجوا في كثير من أطوارهم عن مقتضى التحذير القرآني" ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون". مع ذلك فإن كثيرا من المجادلات السياسية في بلدنا تستخدم نفس الطريقتين، تابع أي حوار تلفزيوني أو في جروب على الفيس بوك بين ليبرالي، و إسلامي، أو بين ناشط إسلامي و ناشط قبطي ، أو بين مؤيد للمجلس العسكري ، وداع لمجلس مدني ..الخ نجد الحوار يبدأ بمحاولة إفحام الخصوم بالهدم المنطقي لأدلتهم فلما لا يفلح ذلك ننطلق إلى قائمة الاتهامات ، وهي تكرر نفس الاتهامات القديمة، وتضيف إليها قائمة أخرى تبدأ بخيانة دم الثوار، والانتماء للفلول، و العمالة للماسونية، وتلقي تمويل سعودي، أو إ يراني، أو إسرائيلي، أو أمريكي، أو تدريب خارجي...الخ ، وأحيانا نبدأ في تراشق الاتهامات مباشرة دون أن نمر بالمرحلة الأولى. أسوأ ما في هذه الخلافات أنها و إن كان تبدأ من تصور كل طرف من الأطراف أن لديه ما هو أصلح للوطن ، فإن الصراع يتحول بعد ذلك إلى هدف في حد ذاته يتم المزايدة في سبيل الفوز فيه على الوطن نفسه و مصالحه، فيتم نسف جلسة يفترض أنها للحوار الوطني حتى يظهر البعض أنه "ثوري طحن" لا يقبل أن يشارك "فلة من فلل الوطني المنحل" استنشاق هواء نفس الغرفة أو يتم استغلال الأحداث الطائفية، و التركيز الإعلامي عليها بطريقة تشعل الحرائق ولا تطفئها على أمل أن تمسك نار هذه الحرائق بثوب التيار الإسلامي الذي لا يتعاطف معه أغلب الإعلام وتحرقه ، دون انتباه لأن النفخ في النار قد يحرق البيت كله الذي هو الوطن، وبهذا المنطق يقوم بعض النشطاء على الجانب الآخر بتشويه مفكر مجتهد نحسبه محترما و مخلصا كعمرو حمزاوي لأنه مر عرضا عبر بوابة الحزب الوطني قبل أن يقدم استقالته قبل أعوام، أو لأنه استدرج للحديث في منطقه حساسة تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية ليست في مقدمة جدول أعمال الوطن ولا ينبغي أن تكون، بل إن جدول أعمال الوطن هذا لا يبدو أنه محل احترام أو اتفاق، فبينما تدل شواهد عديدة أن تيارا غالبا في الشارع يولي اهتماما أكبر في هذه المرحلة للقضايا الاقتصادية لا يزال البعض بعتبر أولويته مجلسا مدنيا للحكم ضاربا عرض الحائط بنتيجة استفتاء لم يستطع أن يشكك في نزاهته، فانتقل لمرحلة الاتهامات، وهي اتهامات تطال الغالبية من أبناء الوطن متهمة إياهم بالجهل و السذاجة، و الخضوع للابتزاز الديني ، وفي ذلك ما لا يخفى من الاستعلاء الذي نندهش أن يصدر من دعاة للديموقراطية لكنها روح الصراع عندما يصبح الانتصار فيه هدفا يندفع الإنسان لتحقيقه على حساب الديموقراطية، والأخلاق، و على حساب الوطن.

الجمعة، 20 مايو 2011

تطوير الجامعات كشرط للنهضة (تجربة آسيوية)

هذا ملخص مقالة كتبها ريتشارد ليفين رئيس جامعة ييل الأمريكية في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عدد مايو/يونيو 2010، ويتحدث فيها عن الجهود التي بذلتها الدول الآسيوية منذ الحرب العالمية الثانية للأرتقاء بمستوى تعليمها بما في ذلك الحرص على تأسيس جامعات ذات شهرة عالمية نظرا لأدراك هذه الدول للعلاقة القوية بين مستوى التعليم والنمو الأقتصادي في عالم تسوده المنافسة ويتصف بالمعرفة المتطورة . ويذكر الكاتب كيف حرصت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على اعداد طاقاتها البشرية منذ الستينيات لمواجهة حاجات الثورة الصناعية . ويذكر كذلك كيف استطاعت الصين بعد ذلك دعم جامعاتها حتى برزت من بينها تسع جامعات تعتبر متميزة عالميا وتتجه الهند لأنشاء حوالي 14 جامعة جديدة متميزة ، وكذلك الحال مع سنغافورة التي تخطط لقيام جامعتين اضافيتين ، واحدة تتخصص في التقنية ، بينما الثانية تعمل بالنظام ألأمريكي وتكون مرتبط بجامعة سنغافورة الوطنية . ويتنبأ الكاتب بأن الجامعات الاسيوية ستكون من بين افضل الجامعات في العالم في منتصف القرن الحالي .يشير الكاتب الى منطقية تنبه الدول الآسيوية الى أهمية النظام التعليمي في التنمية ذلك ان القوى العاملة الماهرة هي التي كانت سببا في تحول اليابان وكوريا الجنوبية من اقتصادات زراعية الى اقتصادت صناعية معتمدة على مهارات منخفضة ثم الى اقتصادات صناعية معتمدة على مهارات متقدمة وذلك لم يتحقق الا باستثمارات حكومية كبيرة في هذه النظم التعليمية وبالتالي فقد بدات هذه الدول برفع معدلات تسجيل ابنائها في الجامعات كمقدمة للسعي الى بناء جامعات متميزة.
منافسة مع الأفضل:
بالأضافة الى ادراكها لأهمية رفع نسبة المسجلين في الجامعات من السكان ، ادركت القيادات الآسيوية أهمية انشاء جامعات متميزة عالميا ذلك بأن هذه الجامعات تمثل مراكز اشعاع وابتكار واختراع لأفكار ومنتجات جديدة وتصبح بمثابة محركات للتنمية في السنوات القادمة وتعطي هذه الدول مكانة تنافسية . ففي رأي الكاتب كان نمو اليابان خلال الفترة ما بين 1950 و1990 أكبر من نمو الولايات المتحدة ذلك لأن اليابان خلال هذه الفترة كانت لديها عمالة زراعية عاطلة تقبل اجورا منخفضة وقد استخدمتها اليابان في تحريك اقتصادها خلال الفترة المذكورة ولكن ما ان تم استيعاب هذه العمالة في القطاع الصناعي وبدات الأجور ترتفع لأنه لم يعد هناك مزيد من البطالة بدأ ألأقتصاد الياباني ينمو بمعدلات اقل من معدلات النمو في الولايات المتحدة وذلك لأن هذه الأخيرة كانت معتمدة على شركات تقوم على المعرفة والأبتكار والتقنية المتطورة مثل ميكروسوفت ونيتسكيب وأبل وجوجل وغيرها من المؤسسات التي كانت سببا في النمو الأقتصادي حتى بداية أزمة 2008 . وبالتالي فان الدول الاسيوية تدرك اهمية الأنتقال من العمالة الرخيصة كمحرك للنمو الى انتاج سلع وخدمات مبتكرة ومتطورة وتنافسية اذا ارادت ان تحافظ على نموها ألأقتصادي في السنوات القادمة . ولكن تأسيس الجامعات المتميزة عالميا لايحدث بجرة قلم وانما ياخذ وقتا ويتطلب توفير شروط معينة . فقد استغرق جامعة هارفارد وييل في الولايات المتحدة قرونا من الزمان لينافسا الجامعات البريطانية كأكسفورد وكامبريدج وكذلك الحال مع بقية الجامعات الأمريكية التي تميزت عالميا . وجدير بالذكر انه حتى اليوم لاتوجد جامعة آسيوية بين افضل 25 جامعة في العالم سوى جامعة طوكيو التي تأسست عام 1877 . هذا عن الوقت الذي يتطلبه تاسيس جامعة متميزة ، اما الشروط المطلوب توفرها فيمكن تلخيصها في درجة تطور المباني والمرافق الجامعية وحجم التمويل وتنافسية الرواتب والأمتيازات التي تعطى لأعضاء الهيئات التدريسية والبحثية و تجذب أ‘ضاء هيئة التدريس الأفضل في العالم . ويشير كاتب المقالة الى ان الصين استطاعت في السنوات الأخيرة ان تقطع شوطا كبيرا في ما يتعلق بانشاء مرافق جامعية متطورة ومراكز ابحاث حديثة ، وقد استطاعت كذلك ان ترفع من مكافآت العاملين في هذه المؤسسات حتى ان عدد العلماء الصينين العائدين من الولايات المتحدة الى وطنهم هو في تزايد في السنوات الأخيرة . أما الهند فعلى الرغم من انها تتطلع الى نفس ما حققته الصين الا ان استثماراتها في بناء مؤسساتها التعليمية المتميزة لازالت دون المستوى المطلوب .

أولوية البحث العلمي:
بعد ذلك يتحدث الكاتب عن البحث العلمي الأساسي الذي يعتبر ركيزة لتطوير التقنية الصناعية ولكن المكاسب ألأقتصادية من هذا البحث لاتتحقق الا في المدى الطويل ولذلك فان القطاع الخاص لايقوم بالأنفاق عليه وانما الدولة تقوم بذلك ، فعلى سبيل المثال لما تم اكتشاف الليزر في أواخر الخمسينيات لم يكن أحد يعرف انها سيكون لها دور في جراحة العين حقب بعدها . وقد قدم عام 1945 تقرير الى الرئيس الأمريكي ترومان يتضمن التأكيد على دور البحث في العلوم ألأساسية في التنمية الصناعية وقد تضمن ثلاث مقترحات يعتقد كاتب المقالة انها لازالت تعبر عن أهمية البحث العلمي وهذه المقترحات هي : الدولة هي التي يجب أن تقوم بتمويل البحوث العلمية ألأساسية ، البحوث يجب ان تجري في الجامعات وليس في مختبرات الدولة أو في المؤسسات غير التعليمية ، والتمويل الذي تقدمه الدولة يجب أن يتم تحديد من يتلقاه من قبل اعضاء الهيئة العلمية وليس ألأداريين أو السياسيين . ولازالت الدول ألاسيوية متأخرة عن الولايات المتحدة من حيث نسبة ما ينفق على البحوث ألأساسية وفي كيفية توجيه هذا التمويل بين الباحثين ، ولكن هذه الدول بدات تتنبه لهذا الخلل في السنوات الأخيرة .

أكثر من الحفظ:
يؤكد الكاتب على ان البحث العلمي وحده لايكفي لقيام اقتصاد متطور فهناك ضرورة لتنشئة اجيال ذات خلفية معرفية متنوعة وبناء طبقة رجال اعمال مبتكرة وهذا ما يحصل في رايه في النظام التعليمي الغربي خاصة الولايات المتحدة حيث ان الطالب يعطى الفرصة خلال أول سنتين في الجامعة لتكوين خلفية معرفية واسعة وبعد ذلك يختار التخصص في السنتين الأخيرتين ، اما النظام التعليمي الاسيوي فانه يجعل الطالب يختار تخصصا ضيقا عندما يكون عمره 18 عاما ويستمر فيه بقية سنوات دراسته ، وهذا يجعل الطالب الذي يتخرج من النظام الأمريكي اكثر قدرة على التأقلم مع مستجدات الحياة والعمل وهذا ما لايستطيع الخريج الاسيوي فعله بسبب ضيق معرفته . اضافة الى هذا التركيز الضيق في التعليم الاسيوي يعاني هذا النظام من اسلوب الحفظ والتلقين الذي يجعل الطالب متلقي مقارنة بالطالب الأمريكي الذي يناقش ويطرح افكار ويقترح نماذجا ويحل مشاكلا الأمر الذي يجعل قدرته على الأبتكار والأبداع مستقبلا أكبر من الطالب ألاسيوي . وقد أدركت الدول ألاسيوية ، في رأي الكاتب ، هذه النواقص وبدات في معالجتها وان كان ذلك سيتطلب وقتا طويلا خاصة في دولة كالصين التي تتدخل قيادات الحزب الشيوعي في كثير من قراراتها الأكاديمية .

تشجيع التميز:
بالإضافة الى ما سبق يؤكد الكاتب على ان صعود النظم التعليمية يتطلب ايجاد بيئة منافسة يتم فيها تشجيع ودعم الجامعات التي تبرز وتتميز . ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يتكون النظام التعليمي من مؤسسات متنوعة منها البحثي ومنها التدريسي ومنها المزيج ، ولكن الذي يميز هذه النظم ان التمويل لايتم توزيعه بالتساوي وانما على اساس الأداء ، فالجامعات التي تستطيع ان توفر شروط التميز التي ذكرنا بعضها سابقا يكون نصيبها من التمويل أكبر أما التي لاتظهر تميزا في مناهجها واعضاء هيئات التدريس فيها وحجم ابحاثها العلمية ، تنخفض الموارد التي تذهب اليها . أما في المانيا فقد كانت السياسةالتعليمية منذ الحرب العالمية الثانية تقوم على زيادة عدد المسجلين مما زاد نسبة الطلبة الى ألأساتذة وتم توجيه الباحثين المتميزين الى مؤسسات مختلفة وتم بعد ذلك توزيع الموارد على اسس عادلة اي التوزان في تقديم التمويل وقد ادت هذه السياسات مجتمعة الى عدم ظهور جامعات المانية على مستوى عالمي علما ان المانيا كانت متميزة قبل الحرب في مؤسساتها الجامعية . وقد بدات كثير من الجامعات الآسيوية في السنوات الأخيرة محاولة الفرز بين الجامعات القادرة على التميز والتي تحصل على موارد اكثر ، وبين المؤسسات التي لاتستطيع التميز وبالتالي فانها لاتحصل على زيادة في الحوافز المادية .

المصدر:موقع دار الإسلام http://www.darussalam.ae

مفاهيم إسلامية (3): المسئولية الإجتماعية في الإسلام

المسئولية الاجتماعية مفهوم يطلق على الالتزام بواجب تجاه المجتمع بداية من الأسرة ، ثم العشيرة، و الحي، إلى المدينة، فالدولة وصولا إلى الالتزام تجاه المجتمع الإنساني كله، بل حتى العالم بدوابه، ونباته، وجماده، وقد تم توسعة المفهوم في العقود الأخيرة ليشمل المسئولية الاجتماعية للأشخاص الاعتباريين من شركات و مؤسسات، باعتبارها وسيلة بديلة أو مكملة لتدخل الدولة في إعادة توزيع الثروة و ينتشر الدور الاجتماعي للشركات بشكل كبير في الولايات المتحدة ولعل أشهر نماذجه التي نعرفها في مصر وقفية مؤسسة فورد، و وقفية بيل و ميليندا جيتس، وقد تنطلق المسئولية الاجتماعية من مباديء دينية/أخلاقية ، أو من رؤية براجماتية ترى أن تطور المجتمع، وتحسين معاييره ينعكس بالنهاية على المصالح الشخصية للمتطوع و يسهم في زيادة أرباحه، و تشمل تطبيقات المسئولية الاجتماعية جميع أشكال المشاركة التطوعية، الحزبية، والثقافية، والخيرية، و تتضمن إطلاق و دعم و المساهمة في مبادرات رعاية الفقراء، و الأيتام، و المبادرات التعليمية، و التثقيفية، و مبادرات إعادة التأهيل و التدريب، و دعم الاقتصاد ، و تحسين نوعية المسكن، و المبادرات البيئية المتعلقة بالنظافة، و الصرف الصحي، و التوعية البيئية، و نشر ثقافة توفير الطاقة والحفاظ على البيئة، و تمويل ابحاث الطاقة النظيفة، والمشاريع العلاجية، والصحية المختلفة، و نشر الوعي السياسي، و الفكري، كما يشمل مفهوم المسئولية الاجتماعية السعي لنشر ثقافة حقوق الإنسان، و الوقوف بوجه الممارسات السلطوية القمعية ، و كذا الدفاع عن حقوق العمال، و الفئات الأكثر تعرضا للظلم و غير ذلك من أنواع العمل التطوعي الذي يلتزم بشرطين: أن يكون غير حكومي، وألا يكون هادفا للربح، و مفهوم المسئولية الاجتماعية راسخ في النصوص الإسلامية التي لا تحصى تحض على التكافل الاجتماعي، والإنفاق، وبذل الخير بكافة سبله، و العمل بما ينفع الناس، ، كما أنه راسخ في النصوص التي تعتبر أفراد المجتمع بناء واحدا يشد بعضه بعضا، و جسدا، واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، كما أنه حاضر في فريضة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر التي ترى لكل فرد من أفراد المجتمع دورا إيجابيا يمتد خارج مصلحته الضيقة إلى الدعوة للإصلاح (الأمر بالمعروف) ، والوقوف في وجه كافة صور الظلم، والفساد (النهي عن المنكر)، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يشبه في حديثه المجتمع بمركب واحد لا يمكن لبعض ركابه أن يسمحوا للجانحين بخرقه ، وإلا غرق بالجميع، بل وجب عليهم أن يردوهم ويأخذوا على أيديهم، وهو في ذلك يؤكد (صلى الله عليه وسلم) على مضمون الآية الكريمة (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) أي لو أن النهي عن الفساد كان منتشرا بينهم لما وقعوا في الهلاك، والقرآن الكريم يحذر أيضا (ولا تركنوا إلا الذين ظلموا فتمسكم النار، و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)، و القرآن يعتبر على المسلم لجيرته ، و محيطه حقا يجب أن يؤديه (و آت ذا القربى حقه والمسكين، وابن السبيل، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، و الصاحب بالجنب ، وابن السبيل)، و يحث على اقتحام العقبة (وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة) ، و قد كان الرق، و الجوع من المشكلات الملحة في بلاد العرب على عصر نزول القرآن، وتقاس عليهما كل مشكلة اجتماعية ملحة في أي مجتمع، فقد تكون العقبة في مجتمعنا تطوير منطقة عشوائية، أو التبرع لعلاج مرض متوطن كالتهاب الكبد..الخ.. يعرف القرآن حقيقة البر بعيدا عن الالتزام الفارغ بالشكل ، لافتا المسلم للإلتفات إلى جوهر التدين (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب، ولكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر، والملائكة، والكتاب ، والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، والسائلين، وفي الرقاب، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس).. تنطلق الرؤية القرآنية من حقيقة دور رسالي للإنسان على الأرض هو السعي في عمارتها (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، و العمران الذي ينشده القرآن ليس هو ذلك العمران المادي الذي يعتبره النص في موقع آخر هباء مصيره الزوال (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس).. إن السعي في العمران يرتبط في الرؤية القرآنية بواجب تجاه الآخرين (و الذين في أموالهم حق للسائل و المحروم)، بل إن الرؤية القرآنية ترى المال موردا للمجتمع بأسرة حتى لو كان في يد شخص بعينه، فلا يحق له أن يهدره سفها، ويجب على المجتمع أن يمنعه من ذلك (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم و ارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)، بل إن الحق المعلوم للمجتمع على الفرد لا يقع فحسب فيما يمتلكه من مال، بل أيضا فيما يمتلكه من علم (و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)، و فيما يمتلكه من صحة و جهد، ففرض الجهاد لرد الأعداء على من يطيق مشقته، ولم يعذر إلا المريض، و ذا العاهة ، و من يقاس عليهم من الضعفاء، و لقد كان النبي (صلى الله عليه و سلم) في سيرته الشخصية نموذجا للمسئولية المجتمعية فقد عاش حياة شعارها العطاء، فقد سخر حياته كلها للدعوة، والجهاد، وسخر ماله كله للنفقة في وجوه الخير، حتى كان يمضي الشهر و الشهران لا يوقد في بيته نار للطبخ، و لقد أعطى يوما لرجل إبلا تملأ سهلا بين جبلين ، ومات و درعه مرهونة عند يهودي كما روى البخاري ، وقد قال يوما لأبي ذر (ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه)، و قد حث أمته على النصيحة (أي الإخلاص في العمل و القول) لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم، وعلى البذل، والإنفاق فيما لا يحصى من الحديث الذي نستغني عن شهرة الكثير منه عن ذكره، و لكننا نذكر أن وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجاوزت المسئولية تجاه البشر إلى المسئولية تجاه البيئة فقد نهى عن الإسراف في الماء في الوضوء و إن كان على نهر جار ، و إذا كان ذلك الحال في الوضوء الذي هو من أعظم الطاعات، فلا شك أن الاقتصاد في غيره من الاستخدامات أولى، و قد ثبت عنه قوله (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) ، وقد نهى عن قتل الحيوان لغير حاجة من طعام فنهى أن يتخذ ما فيه الروح عرضا (أي في رياضة الرماية، و التدريب على السلاح)، ونهى عن قطع الأشجار لغير ضرورة.. شرع النبي (صلى الله عليه وسلم) الوقف قبل أن يعرف الغرب هذا النموذج من البر، وقد انتشرت الأوقاف في العالم الإسلامي لقرون، وكانت تمول الأسبلة، و الملاجيء، والمستشفيات، والمدارس، والجوامع، و تنفق على طلبة العلم، و على صيانة الجسور، والترع، وحتى صيانة الأرصفة، و غيرها من المصارف دليلا على تدفق روح المسئولية الاجتماعية عبر تاريخ المسلمين، وهي الروح التي لا تزال متقدة في نفوس أبناء الأمة برغم ما يغطيها من طبقات السلبية، واللامبالاة، الأمر الذي يجعلنا في حاجة لمبادرات مبتكرة و فعالة للنفخ في تلك الجذوة، وإذكائها، وحسن الاستفادة منها في نهضة البلاد.

(أمانة الإعلام و التوعية المجتمعية)

الأربعاء، 18 مايو 2011

نحو مبادرة لنشر أخلاقيات التنمية

منذ أن عقد الإمام محمد عبده مقارنته الشهيرة بين المصريين و الفرنسيين التي قال فيها رأيت هناك إسلام بلا مسلمين و رأيت هنا مسلمين بلا إسلام ، و الجملة لا تزال صالحة للاستخدام رغم مرور أكثر من قرن على قولها ، ربما يكون جزءها الأول فقد بعض الصحة مع ازدياد حجم الفساد في الغرب في العقود الأخيرة، لكن جزءها الثاني ينطبق على القطاع الأوسع من مجتمعنا بغير جدال كبير، بالرغم من كل المحاولات التي سعت لتغيير ذلك خلال المائة عام المنصرمة، فخلالها كتبت مئات الأدبيات عن تجديد الخطاب الديني،و ظهر فيها عدد من العلماء الكبار الذين كان لهم تأثير كبير على حركة الفكر الإسلامي بداية بتلميذ عبده الشيخ رشيد رضا وصولا إلى الأستاذ العوا مرورا بالشيخ محمدالغزالي، والشعراوي، ويوسف القرضاوي وغيرهم كثير، وخلالها تأسست الجماعات و الجمعيات الدينية الأبرز مثل الجمعية الشرعية، و أنصار السنة، والإخوان المسلمين، فضلا عن الجماعات المسلحة التي ظهرت في الثمانينيات و بعض من تسعينيات القرن الماضي ، لكن كل ذلك فشل في تغيير الحقيقة الكبيرة التي عبر عنها الشيخ محمد عبده، و هذا أحد الأسباب الكبرى لفشل التنمية رغم المحاولات المتعددة لإنجازها، وهو ما يمكن أن نسميه غياب أخلاقيات التنمية، و التنمية كما لا بد أن نعرف تشمل التطور في مختلف معايير الحياة الإنسانية و ليس فقط النمو الاقتصادي ، إن مظاهر ذلك في حياتنا العامة واضحة نراها في غياب قيم العفاف عن الكسب الحرام، و المبادرة الفردية، ومفاهيم التكافل الاجتماعي ، و المسئولية الاجتماعية، و غياب الروح العلمية، وقيمة احترام الوقت، ومظاهر النظام،و الجدية في العمل، و قبول الآخر، و التواضع ، و انتشار الرشوة، والتربح ، والسلبية ، والأثرة، والفهلوة،و الكسل، والعشوائية، و التعصب، و التكبر ، والعزة بالإثم.. إن الوسائل القانونية ، والأجهزة الرقابية، لا يصلحان وحدهما لضبط الأمور إذا انتشرت القيم السلبية بين الأمة انتشارا واسعا، لأن القائمين عليها هم عينة من المواطنين الذين قد تكون السلبيات الأخلاقية بينهم منتشرة بما يقلل من فاعلية هذه المؤسسات التي صممت بطبيعتها لتعقب أقلية غير ملتزمة.. لقد بات شائعا عن من زار دولا في الغرب حديثهم عن التزام المواطنين هناك بإِشارات المرور رغم اختفاء رجال المرور من المشهد، وما ذاك إلا لأن قيمة النظام قد أصبحت عندهم عادة يجرون عليها بغير تفكير، و كذا تتوقف السيارة حتى تسمح بعبور الراجلين للطريق لأن مباديء الذوق العام صارت في المجتمع عرفا يخشى مخالفها من الازدراء بين الناس وفي عين نفسه، وقد لا يعلم الكثيرون أن أكبر حجم للتبرعات الخيرية في العالم يسجل في الولايات المتحدة ويقدر بنحو 300 مليار دولار سنويا 83% منه من الأفراد ، وهو التزام بمفهوم المسئولية الاجتماعية يتربى عليه المواطن تماما كما يتربى على اعتبار التأخر خمس دقائق عن موعد العمل تأخيرا بينما يكون مقبولا لدينا التأخر لنصف ساعة و ربما أكثر.. بالطبع الغرب ليس يوتوبيا، فهناك الانحلال، وغياب دور الأسرة، والتزايد في معدلات الفساد أخير، كما أن هناك العنصرية، والميول الاستعمارية التي لم يستطعون التخلص منها، لكنهم ما نجحوا في بناء نهضتهم إلا لأن أخلاقيات التنمية كانت حاضرة بوضوح في مجتمعهم..إن محاولات رواد الإصلاح الإسلامي أفرادا و جماعات خلال المائة عام الأخيرة كان من أوجه قصورها الانشغال بما هو فكري عما هو ميداني ، وبالجدل حول القانوني على حساب تنمية الضمير حيث اختزلت الشريعة إلى شقها القانوني ، واختصر هذا الشق أيضا إلى ما يتعلق بالقانون الجنائي و بالأحوال الشخصية ، و شهد الخطاب الديني تعاملا غير متوازن ركز فيه بشدة على العفاف بمفهومه الجنسي إن جاز التعبير أكثر من رؤية أخلاقية شاملة تدفع النمية و تضبطها كذلك. إن المطلوب هو حملة تربوية شاملة يشترك في الإعلام التقليدي، والجديد، والجامع، والكنيسة ، و المدرسة، و الجامعة، والأحزاب، والجمعيات، و كل نشطاء المجتمع تهدف إلى ترسخ أخلاقيات التنمية كشرط لتحقيق نهضة البلاد، وهي الأخلاق التي لا يمكن أن نتوقع أن تحقق أي خطة تنمية نتائجها المرجوة من دون أن تسود مجتمعنا

(امانة الإعلام و التوعية المجتمعية)

الاثنين، 16 مايو 2011

الطريق إلى نكبة فلسطين في سطور (حتى لا ننسى)

أربعينيات القرن التاسع عشر: الحاخام كالاي ينشر كتاباته التي تدعو اليهود "للعودة إلى صهيون"

1897: انعقد المؤتمر الصهيوني الأول بدعوة تيودور هرتزل في مدينة بال عبّر فيه الصهاينة عن رغبتهم في إقامة "وطن لليهود" في فلسطين

1917: صدر وعد بلفور:قدمت بريطانيا وعد بلفور، قبل أن تحتل القدس والمنطقة المعروفة باسم فلسطين. كان هذا الوعد رسالة موجهة إلى اللورد روتشيلد بناء على طلب من المنظمة الصهيونية في بريطانيا العظمى. أكد الإعلان على دعم بريطانيا إنشاء "وطن" لليهود في فلسطين. جاء الإعلان نتيجة ضغط من جانب حركة صهيونية بريطانية صغيرة، وخاصة من جانب الدكتور حاييم وايزمن الذي هاجر من روسيا إلى بريطانيا؛ ولكن الدافع إليها كان الاعتبارات الإستراتيجية البريطانية. ولعلها مفارقة أن يكون الدافع الأساسي للإعلان هو اعتقاد مفاده أن يهود العالم من شأنهم أن يهبوا لمساعدة البريطانيين في الحرب العالمية الأولى إذا ما أعلنوا عن وعد بإقامة وطن لليهود.

1919: عقد مؤتمر باريس: جرى توزيع الشطر الأكبر من الدولة العثمانية من خلال عصبة الأمم إلى مناطق انتداب توزعت على المنتصرين في الحرب كان البريطانيون حريصين على إبقاء فلسطين بعيدة عن الفرنسيين؛ وقرروا أن يطالبوا بإقامة انتدابهم على الولاية التي من شأنها أن تقيم الوطن القومي لليهود الذي نص عليه وعد بلفور، وهو المشروع الذي يمكن أن يحظى بدعم أميركي.

في عام 1922: أعلنت بريطانيا أن حدود فلسطين ستقتصر على المنطقة الواقعة إلى الغرب من النهر. وسميت المنطقة الشرقية من النهر، شرقي الأردن (الأردن حالياً). وكانت منطقة انتداب بريطانية مستقلة ما لبثت أن منحت الاستقلال كمملكة.

في ثلاثينيات القرن العشرين تضخمت الهجرة اليهودية بسبب الاضطهاد في أوروبا الشرقية، حتى قبل صعود النازية. بدأت أعداد كبيرة من اليهود تفد من بولندا، ثم ازدادت الهجرة بعد صعود هتلر. قامت الوكالة اليهودية بتوقيع اتفاق هسدر مع الألمان الذي سمح لليهود بالهرب من ألمانيا إلى فلسطين مقابل العملات الصعبة التي يحتاجها الرايخ الألماني.

في عام 1936،اشتعلت الثورة العربية عندما قتلت القوات البريطانية عز الدين القسام في اشتباك مسلح. كان عز الدين القسام داعيةً سورياً هاجر إلى فلسطين وعمل على استثارة المشاعر الوطنية ضد البريطانيين واليهود..اندلعت الثورة مصحوبة بعمليات ضد جماعات المستوطنين اليهود.. ردت جماعات الهاجانا اليهودية بإرهاب عشوائي استهدف المدنيين العرب نفذت هذه الأعمال منظمات إرغون وتسيفي ليئومي ايستل.

عام 1937 أوصت لجنة بيل بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية صغيرة وأخرى عربية كبيرة. كما شملت توصيات اللجنة إجراء نقل ملكية طوعي يقوم به اليهود والعرب للفصل بين السكان رفض العرب المقترح، فيما أظهر اليهود موافقة ظاهرية عليه، و في محاولة لتهدئة الثورة أصدرت السلطة البريطانية في 1939 ما عرف بالكتاب الأبيض الذي ادعى أنه سيقلص عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين إلى 15000 فقط كل عام لمدة 5 أعوام.

عام 1939 أسست المنظمة اليهودية مؤسسة الهجرة غير الشرعية لتهريب اليهود إلى فلسلطين، والتي مارست نشاطها في نقل عشرات الآلاف من اليهود إلى فلسطين سنويا خلال الفترة من 1939 إلى 1942 ثم من 1945 حتى 1948

1945: توحدت الجماعات الصهيونية المتنافسة، ولا سيما الجماعات الإرهابية المنشقة عن أرغون وليهي ( "عصابة شتيرن")، و بدأت في استخدام القوة ضد القوات البريطانية لدفعها للخروج من فلسطين والتعجيل بتنفيذ وعد بلفور ..استهدفت الجماعات المسلحة اليهودية لقطارات ومحطاتها ومقر نادي الضباط البريطانيين ومقر القيادة البريطانية في فندق الملك داوود، وكذلك خطف الموظفين البريطانيين وقتلهم. بدأ السياسيون والصحف في بريطانيا يطالبون الحكومة بتسوية النزاع ووقف تعريض حياة الجنود البريطانيين للخطر.

1947: أعلنت بريطانيا رغبتها في انهاء الانتداب على فلسطين و فوضت بريطانيا الأمم المتحدة في حل الصراع بين العرب، والمستوطينين اليهود في فلسطين. أوصت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. ودعت إلى وضع القدس تحت الإدارة الدولية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدت هذه الخطة يوم 29 تشرين الثاني 1947 فأصدرت القرار رقم 181. وكان من وراء صدور ذلك القرار الدعم الذي قدمه كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وعلى وجه الخصوص الدعم الشخصي الذي قدمه الرئيس الأمريكي هاري ترومان.

14 مايو 1948: أعلن اليهود قيام دولة إسرائيل بعد اعلان بريطانيا إنهاء الانتداب على فلسطين

الأحد، 15 مايو 2011

عن الوحدة الوطنية؛ المفهوم و الآليات

الوحدة الوطنية هي الكنز المدفون هذه الأيام.. الجميع ينقب عنه في مختلف الأركان، والخبراء يفتشون عنه في الخرائط القديمة و الحديثة، و العلماء و المتعالمون يقترحون يوميا سبيلا جديدا يوصل إليه، لكن أحد مشكلات هذا البحث المحموم أن لا أحد يعلم على وجه الدقة ماذا يكون هذا الكنز بالتحديد، ولا ما هي العلامات والدلائل التي تؤكد لنا أن ما قد يعثر عليه هو الكنز الحقيقي، وليس نسخة زائفة يسعى مدلس أن يسوقها لنا؟.. بمعنى آخر نحن لم نحدد بعد ما هو شكل الوحدة الوطنية التي نريدها.. فبعض الذين تحدثوا عن الوحدة الوطنية لم يتجاوزا كونها حالة حماسية شعرية تجدها في مظاهرات الهلال مع الصليب أيام الاحتلال، أو مظاهرات التحرير هذه الأيام، وهي حالة كاشفة لصلب العلاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها، ولكن استحضارها دائما غير ممكن ، وفائدتها قليلة في مواجهة الأزمات الطائفية التي تطفو على سطح الوطن ،البعض الآخر يتحدث عن حالة مصر الملكية الليبرالية بعد ثورة 1919 كنموذج لهذه الوحدة، ولكنه مع ذلك يظل العهد الذي صيغت فيه لائحة بناء الكنائس المتشددة التي يرفضها الأقباط اليوم مما يكفي دليلا أنه لم يكن نموذجيا كما يعتقد بعض المصابيين بحالة نوستالجيا إلى هذه المرحلة تحديدا، البعض يتكلم عن نموذج قانوني و دستوري يستبعد الدين بالكامل من الساحة العامة ، ويعتقد أنه عندما ينزع الهوية الدينية عن المصريين ، أو يحبسها خلف أسوار دور العبادة سيختفي التمييز بين مسلمهم و مسيحيهم، و ينسى أن هذا الخيار لا يمكن أن يكون خيارا ديموقراطيا لمجتمع متدين في أغلبيته سواء المسلم منهم أو المسيحي، و أقصى ما يمكن لهذا النموذج أن يكون سياسة كريهة مفروضة من سلطة غير شعبية ، ينتهز المواطن كل فرصة لتحديها و التعبير عن هويته الدينية. البعض يتحدث عن تفسير آخر للوحدة الوطنية يقترح فيه أن يكون للمسلمين مجالهم الخاص الذي يتحكم فيه علماؤهم و مشايخهم، و للمسيحيين مجالهم الخاص باعتبارهم شعب للكنيسة بالمعنى الدنيوي لا الديني ، و أن يتجاور المجالان من غير أن يتقاطعا تقريبا، في إحياء لنموذج الملة العثماني حيث لكل طائفة حق إدارة شؤونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية، والثقافية، والاجتماعية دون تدخل مباشر من جانب السلطنة، و هو ما يتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة التي يكون ولاء مواطنيها لها كاملا و مباشرا. البعض يعتقد أنه يمكنه خلق وحدة وطنية من خلال خطاب ديني يهون من شأن الخلاف العقدي بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، و يركز على المشترك الإبراهيمي بينما متغافلا عن أوجه الخلاف الحاد في تصوراتهما عن الرب، و عن المسيح، و هو خطاب لا يقنع أي متدين من الطرفين ، فأحد خصائص الديانات الإبراهيمية كلها أن أيا منها ينطلق من تصور متكامل للعقيدة الحقة (أو قانون للإيمان كما يسمى في المسيحية) و تعتبر أن أي خروج عن أحد أركانه خروج كامل عن الدين، فهي ديانات لا تقبل التفاوض، أو الحلول الوسط في مسائل العقيدة كما تفعل بعض الديانات غير السماوية التي تسمح رؤيتها الشركية بضم آلهة جديدة لمجمع الآلهة، كل هذه التصورات لا تعبر عن مفهوم لوحدة وطنية مستقرة ، و راسخة، ، و الحق أن نموذج الوحدة الوطنية التي ينبغي أن نسعى إليها لا يتعارض مع حق الأغلبية في إبراز هوية عربية إسلامية لمصر بشرط ألا يتم تفسيرها بطريقة تتضمن اعتداء على الحقوق الإنسانية و السياسية للمصريين المسيحيين ، والحق -أيضا- أن الالتزام بروح الإسلام، و تعاليمه السمحاء، و بتجربة مصر العربية الإسلامية التي ساهم في بناء حضارتها المسلم و القبطي عبر القرون لا تجعل لهذا التفسير محلا. إن المساواة في الحقوق التي نتحدث عنها تتضمن الحق في إعلان الاعتقاد، و ممارسة الشعائر بحرية في دور عبادة آمنة و بدون تضييق ،وحق كل صاحب كفاءة في الوصول للمنصب الذي يستحقه ، أو الترشح له إذا كان من المناصب التي تشغل بالانتخاب، كما تتضمن مساواة أمام قانون يحفظ كرامة الجميع ، و يضمن حقوقهم، و قضاء عادل يضمن تطبيق هذا القانون على الجميع، ويشكل مظهرا لسيادة الدولة و هيبتها، بل لا قيام لوحدة وطنية حقيقية بغير أن تكون سيادة القانون هي الحاكمة في جميع القضايا ، و على جميع المؤسسات و الأشخاص، و في هذا الخصوص قد يظل لتدخل القساوسة و وساطة الشيوخ و المجالس العرفية و نحوها دورا هاما في احتواء الأزمات ،لكن مع ضمان ألا يفلت مذنب من عقاب هو حق للمجتمع و ليس للمجني عليه فحسب. إن الوحدة الوطنية لا تعني أيضا التجاوز عن سعي البعض سواء كانوا في المؤسسة الدينية القبطية، أو بعض علماء المسلمين فرض سلطة غير قانونية لهم على أتباعهم تتجاوز السلطة الروحية التي يلتزم بها المؤمن انطلاقا من إيمانه، أو التدخل في شئونهم و قراراتهم على غير رغبتهم ، و الأمثلة على مثل هذه التجاوزات مشهورة بحيث يستغنى عن ذكرها تصريحا، كما أن الوحدة الوطنية أجل من أن تستغل مطية في صراع الأيدلوجيات ، ذلك أن قطاعا لا يستهان به من المتباكين عليها اليوم يستغلونها فقط في حرب أرادوا إشعالها ضد أصحاب المرجعيات الإسلامية ، وإن كانت تأخذ في هذه المرحلة عنوان الوقوف بوجه السلفية الوهابية، وهو أمر خطير على الوحدة الوطنية نفسها، فعندما يتم تصوير الأمر للمسلم المتدين في بعض الصحف ووسائل الإعلام و كأن الوحدة الوطنية تقف على النقيض من التزامه و تدينه ، وأن عليه أن يفاضل بينهما فلا شك أنه سيضحي بالوحدة الوطنية، و هو ما قد يدفع الوطن له ثمنا غاليا بغير مبرر حقيقي.

(أمانة الإعلام و التوعية المجتمعية)

الجمعة، 13 مايو 2011

تجارب تنموية عبر العالم (3) تركيا؛ معجزة على البسفور


تجربة تركيا بالأرقام:..

1-اقتصاد تركيا في المرتبة السادسة عشرة بين الدول ذات الاقتصاد الأقوى على مستوى العالم في غضون ثماني سنوات.
2-ضوعف دخل الفرد التركي ثلاث مرات ليتجاوز 10000 دولار سنويا.
3-احتلت تركيا المرتبة السادسة على المستوى الأوروبي في المجال الاقتصادي.
4-تحتل تركيا المركز الأول في أوروبا في مجال صناعة النسيج.
5-الوصول إلى المرتبة الثالثة في العالم في تصنيع أجهزة التلفزيون، والثالثة في العالم في تصنيع الحافلات.
6-من بين كل ألف سيارة تصنع في العالم فإن 15 سيارة صنعت في تركيا.
7-تضاعفت أربع مرات صادرات تركيا من 36 مليار دولار عام 2002 لتصل عام 2008 إلى 132 مليار دولار.

التعليم ركيزة النهضة:
#يشكل التعليم الجامعي دعامة أساسية من دعائم النهضة التركية الحديثة، مرتكزا على كفاءة عالية في الأداء، وقناعة راسخة بأن التعليم يشكل حجر الأساس لمشروع النهوض بالأمة التركية.
#سعت حكومة العدالة و التنمية إلى تعزيز حصة التعليم من الميزانية العامة للدولة لتصل إلى15 %.
#استقلالية الجامعات وعدم خضوعها للتغيرات الوزارية، ومن يضع الخطط وبرامج التعليم العالي هو المجلس الأعلى للجامعات، والوزارة وإدارة الجامعات هي جهات تنفيذية فقط. وهذا من شأنه تحقيق ثبات السياسات والخطط التعليمية.
#على الجامعة أن تكون معتمدة على ذاتها في توفير كل متطلباتها المادي والسلعية، كما عليها أن تفتح مجالات العمل أمام خريجيها بعد تخرجهم.
#يتم اختيار موقع الجامعة في المناطق المتخلفة أو العشوائية أو التي يخطط لتنميتها والنهوض بها أو حتى في الصحراء لجذب العمران إلى جوارها.
#ويسبق بناء الجامعة إنشاء عدد من المصانع المتنوعة و هو ما يضمن نشاء مصانع جديدة تضمن فرص عمل،وهذا هو معنى الحلول المتزامنة الخلاقة، يحل فيها مشكلات التخلف التعليمي والاقتصادي والبطالة والفقر، بحيث يتم علاجها بشكل تكاملي شامل.
#يفرض على أي جامعة تتأسس أن تقوم بعمل شراكة مع جامعة أوروبية أو أمريكية في كل مراحل التعليم العالي، على أن تكون الشراكة في نظم المقررات والأنشطة والمهارات والقدرات والامتحانات.
#الاستفادة من الخبرات العلمية التركية المهاجرة أو العاملة في الخارج، في بناء الجامعات وإعداد برامج الجودة بها، وفي متابعة وتقويم العمل العلمي والتربوي والأكاديمي للجامعات.
#يعد من أهم العوامل في نجاح النموذج التركي في التعليم هو إسهام الوقف الخيري والهيئات والمؤسسات الخيرية في دعم العملية التعليمية، حيث تقوم ببناء المدارس وتوفير المنح الدراسية ، وتسهم في طباعة المنشورات العلمية، كما تقوم ببناء إسكانات الطلبة والإشراف عليها. كما أسس الوقف الخيري مدارس خاصة تقوم بتدريس اللغات الأجنبية هذا إلى جانب دعم البحوث العلمية، ورجال العلم المشاركين بالأنشطة العلمية وتنظيم الندوات والمؤتمرات العلمية داخل وخارج تركيا للمساهمة في خلق بيئة علمية صحيحة.

جذب الاستثمارات الأجنبية:

قامت الحكومة التركية بتصميم برنامج حوافز كفء لتشجيع الاستثمارات الأجنبية بصفة عامة، و في قطاع التكنولوجيا بصفة خاصة، و قامت بإنشاء مئات المناطق الاستثمارية التي قسمت إلى ثلاثة أنواع

1-المجتمعات التكنولوجية: 39 منطقة في مختلف أنحاء تركيا

مزايا مناطق التطوير التكنولوجي:

توفير مرافق البنية التحتية وإعداد المكاتب للتأجير

إعفاء الأرباح المكتسبة من البرامج وأنشطة البحث والتطوير من ضريبة الدخل وضرائب الشركات

إعفاء شحنات البرمجيات التطبيقية المنتجة حصريًا في مناطق التطوير التكنولوجي من ضريبة القيمة المضافة

إعفاء رواتب الباحثين والموظفين العاملين في مجال البحث والتطوير والبرامج في المنطقة من جميع الضرائب


2- المناطق الصناعية المنظمة

# تم تصميم المناطق الصناعية المنظمة بحيث تتيح للشركات في صناعات بعينها العمل ضمن بيئة ملائمة للاستثمار من خلال بنية تحتية متوفرة والمرافق الاجتماعية.

    # تشمل البنية التحتية المتوفرة في المناطق، الطرق والمياه والغاز الطبيعي والكهرباء والاتصالات ومعالجة النفايات وخدمات أخرى.

    # توجد ٢٦٣ منطقة صناعية منظمة في ٨٠ إقليمًا، ويجري العمل حاليًا في ١٤٨ منطقة من بينها، في حين تعتبر المناطق الصناعية المنظمة المتبقية، البالغ عددها ١١٥ منطقة، قيد الإنشاء في جميع أنحاء تركيا.


3- المناطق الحرة:

# تُعرف المناطق الحرة بأنها مواقع خاصة تعتبر خارج منطقة الجمارك بالرغم من أنها تقع ضمن الحدود السياسية للبلاد. ويتم تصميمهذه المناطق بحيث تساعد على زيادة عدد الاستثمارات القائمة على التصدير.

# يتم تطبيق التشريعات المحلية والإدارية التي تُطبق على المجالات التجارية والمالية والاقتصادية، والتي تطبق ضمن المنطقةالجمركية، إما بشكل جزئي أو لا يتم تطبيقها على الإطلاق في المناطق الحرة.

#توجد بتركيا ٢٠ منطقة حرة (يجري العمل في ١٩ منطقة من بينها) تقع بالقرب من أسواق الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وعلى مقربة من الموانئ التركية الكبيرة المطلة على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود وتتمتع بسهولة الاتصال بالطرق التجارية الدولية.

المراجع:
www.arabicenter.net
www.invest.gov.tr