إذا ذكرت لفرنسي أو أمريكي كلمة الدستور فغالبا ستجده يتحدث عن دستور بلاده بنوع من المهابة تصل للقداسة، وبنوع من الفخر الممتزج بالثقة ، و تراه يعتبر دستور بلاده جزءا من هويتها، بل من هويته، أما إذا تكلمت مع عربي عن الدستور فستجده لا يعني الكثير عنده ، هو مجرد وثيقة قانونية لا يدري ما فيها، و قد لا يجدها معبرة عنه، بل ربما طالب بتغييرها أو حتى بإلغائها تماما إلى غير بديل زاعما أننا لسنا في حاجة لاستيراد مثل هذه الصيغ من الغرب.. الفارق بين الموقفين ليس فقط اختلاف في الوعي السياسي لدى الطرفين، بل يكمن بالأساس في طبيعة الدستور نفسه، فالدستور الأمريكي مثلا -ومعه تعديلاته العشر الأولى و وثيقة الحقوق- تمثل اجماعا من التيار الرئيسي للأمريكين حول طبيعة الحكم ودور مؤسساته، والقيم ، و المرجعيات التي يجب أن تحكم البلاد ،بمعنى أن هذه الوثائق تعبر عن المجتمع الأمريكي كما ينبغي أن يكون من وجهة نظر أغلب الأمريكيين، وقل مثل ذلك عن الدستور الفرنسي.. أما بالنسبة للدول العربية، فالدستور صنع بعيدا عن المجتمع ، وفي أحيان بعينها (مثلما كان في تونس بورقيبة) جاء في كثير من أجزائه متبنيا صيغ معارضة للقيم السياسية السائدة في المجتمع، هذا المنطق صنع مسافة دائما بين الشعوب ودساتيرها، بل نظر للدساتير أحيانا على أنها وسيلة لفرض هيمنة غربية، أو تبرير قانوني لسلطة قمعية.. لا شيء من هذا مختلف فيما يتعلق بالتجربة المصرية مع الدساتير، فبعد تصريح 28 فبراير1922، وبينما أغلب المصريين ملتفون حول سعد زغلول باشا و الوفد تم تشكيل لجنة صياغة الدستور بالتعيين من قبل عبد الخالق ثروت و فريق من العدليين (أنصار عدلي يكن خصم سعد زغلول)، وهي اللجنة التي وضعت دستور 1923، وقد كانت لجنة تمثل الأقلية بأكثر مما تمثل الشعب، كان دستور 23 دستور نخبة بالمعنى الكامل للكلمة ، و إذا كان المصريون قد دافعوا عن هذا الدستور و رفضوا دستور 1930 الذي فرضه انقلاب اسماعيل صدقي فما ذلك إلا لأن الأخير كان أسوأ منه ، و أكثر انحيازا للقصر، ولم يكن ذلك رضى بدستور 1923 أو تمسكا فبه في ذاته بدليل أن حركة 1952 ألغت العمل بدستور 1923 من غير معارضة تذكر من أغلبية الشعب ، وقد تصوروا أن الانتقال لمرحلة جمهورية قد يمهد الطريق أمام دستور يخرج من الشعب ويعبر عنه بالفعل، لكن ذلك لم يحدث ، فقد أسند لجماعة من القانونيين وضع دستور دائم للبلاد في 1954 لكن الإطاحة بنجيب، و وصول ناصر لسدة الزعامة قضى على هذه المحاولة، وظلت البلاد بلا دستور دائم حتى 1971 عندما تمت صياغة الدستور الذي تم إنهاء العمل به بعد ثورة 25 يناير، فإن ذلك جاء بعد ما سمي يحركة التصحيح في مايو من ذلك العام التي كانت تهدف للإطاحة بخصوم الرئيس السادات ، وتمكينه من القبض على البلاد بشكل منفرد، لذا فقد جاء الدستور بالصلاحيات الواسعة الممنوحة للرئيس لكي يتم ما بدأته حركة التصحيح هذه ، ويصبغ شكلا قانونيا لهيمنة السادات المنفردة، ولم يغير أي تعديل لهذا الدستور تم في عهد السادات أو مبارك من طبيعة الدستور هذه بل أكدتها، وهو ما زاد سمعته سوءا.. اليوم و نحن نريد أن نضع دستورا جديدا للبلاد فنحن عند مفترق طرق استراتيجي ، فإما أن نكتب دستورا ينطلق من ما تتفق عليه أغلبية شعبنا أو دستور نخبة جديد لا يرى فيه الشعب عنوان له و لقيمه السياسية وهويته الحضارية.. الطريق الأول معروف ، وقد صوتت عليه أغلبية الشعب بالموافقة ، انتخاب مجلس نيابي في أقرب وقت يكون من مهام نوابه الذين يحملون تمثيلا حقيقيا من الشعب اختيار لجنة لوضع الدستور، و بالتالي تكون لهذه اللجنة تمثيلية حقيقية مستقاة من انتخابات شعبية، أما الطريق الثاني الذي لا نجده سوى استنساخ للتجارب التاريخية المبتورة السابقة ، فهو ما يتحدثون عنه من لجنة تأسيسة لصياغة دستور الآن من خبراء و قوى سياسية و شخصايت فاعلة (و كلها شرائح نخبوية) لا يتحدث أكثر الدعاة لها عن انتخابها من الشعب بالاقتراع المباشر. و لا يغير من الطبيعة النخبوية لدستور يوضع بهكذا طبيعة أن يعرض للاستفتاء لأن أغلب الناخبين في هذه الحالة لا يتاح لهم قراءة الدستور كله، أو الإحاطة بمختلف أبعاده، ويصوتون غالبا من خلال انطباعاتهم التي يخلقها الإعلام، وغيره من وسائل تشكيل الرأي العام.
الوسط حزب سياسي يستند لمرجعية اسلامية حضارية تهدف الي الارتقاء بالانسان المصري و تحقيق العدالة و الحرية و التنمية ، في اطار منهج الوسطية دون مغالة، بحثا عن عقول و قلوب مخلصة طبعت علي الانتماء ،عقول واعية مستنيرة تجدد الفكر السياسي للتيار الاسلامي و تتقبل حقوق أطياف المجتمع بكافة تصنيفاته ،و يسعي الوسط لضم النخبة التواقة للتجاوب مع العمل السياسي لنشر المنهج الوسطي مجتمعيا و طرح رؤي الاصلاح و مكاشفة تطلعات المجتمع و بواطن الخلل ، سعيا لبناء الوطن و اعلاء قيم المجتمع
السبت، 28 مايو 2011
كيف نريد أن نكتب دستورنا؟
إذا ذكرت لفرنسي أو أمريكي كلمة الدستور فغالبا ستجده يتحدث عن دستور بلاده بنوع من المهابة تصل للقداسة، وبنوع من الفخر الممتزج بالثقة ، و تراه يعتبر دستور بلاده جزءا من هويتها، بل من هويته، أما إذا تكلمت مع عربي عن الدستور فستجده لا يعني الكثير عنده ، هو مجرد وثيقة قانونية لا يدري ما فيها، و قد لا يجدها معبرة عنه، بل ربما طالب بتغييرها أو حتى بإلغائها تماما إلى غير بديل زاعما أننا لسنا في حاجة لاستيراد مثل هذه الصيغ من الغرب.. الفارق بين الموقفين ليس فقط اختلاف في الوعي السياسي لدى الطرفين، بل يكمن بالأساس في طبيعة الدستور نفسه، فالدستور الأمريكي مثلا -ومعه تعديلاته العشر الأولى و وثيقة الحقوق- تمثل اجماعا من التيار الرئيسي للأمريكين حول طبيعة الحكم ودور مؤسساته، والقيم ، و المرجعيات التي يجب أن تحكم البلاد ،بمعنى أن هذه الوثائق تعبر عن المجتمع الأمريكي كما ينبغي أن يكون من وجهة نظر أغلب الأمريكيين، وقل مثل ذلك عن الدستور الفرنسي.. أما بالنسبة للدول العربية، فالدستور صنع بعيدا عن المجتمع ، وفي أحيان بعينها (مثلما كان في تونس بورقيبة) جاء في كثير من أجزائه متبنيا صيغ معارضة للقيم السياسية السائدة في المجتمع، هذا المنطق صنع مسافة دائما بين الشعوب ودساتيرها، بل نظر للدساتير أحيانا على أنها وسيلة لفرض هيمنة غربية، أو تبرير قانوني لسلطة قمعية.. لا شيء من هذا مختلف فيما يتعلق بالتجربة المصرية مع الدساتير، فبعد تصريح 28 فبراير1922، وبينما أغلب المصريين ملتفون حول سعد زغلول باشا و الوفد تم تشكيل لجنة صياغة الدستور بالتعيين من قبل عبد الخالق ثروت و فريق من العدليين (أنصار عدلي يكن خصم سعد زغلول)، وهي اللجنة التي وضعت دستور 1923، وقد كانت لجنة تمثل الأقلية بأكثر مما تمثل الشعب، كان دستور 23 دستور نخبة بالمعنى الكامل للكلمة ، و إذا كان المصريون قد دافعوا عن هذا الدستور و رفضوا دستور 1930 الذي فرضه انقلاب اسماعيل صدقي فما ذلك إلا لأن الأخير كان أسوأ منه ، و أكثر انحيازا للقصر، ولم يكن ذلك رضى بدستور 1923 أو تمسكا فبه في ذاته بدليل أن حركة 1952 ألغت العمل بدستور 1923 من غير معارضة تذكر من أغلبية الشعب ، وقد تصوروا أن الانتقال لمرحلة جمهورية قد يمهد الطريق أمام دستور يخرج من الشعب ويعبر عنه بالفعل، لكن ذلك لم يحدث ، فقد أسند لجماعة من القانونيين وضع دستور دائم للبلاد في 1954 لكن الإطاحة بنجيب، و وصول ناصر لسدة الزعامة قضى على هذه المحاولة، وظلت البلاد بلا دستور دائم حتى 1971 عندما تمت صياغة الدستور الذي تم إنهاء العمل به بعد ثورة 25 يناير، فإن ذلك جاء بعد ما سمي يحركة التصحيح في مايو من ذلك العام التي كانت تهدف للإطاحة بخصوم الرئيس السادات ، وتمكينه من القبض على البلاد بشكل منفرد، لذا فقد جاء الدستور بالصلاحيات الواسعة الممنوحة للرئيس لكي يتم ما بدأته حركة التصحيح هذه ، ويصبغ شكلا قانونيا لهيمنة السادات المنفردة، ولم يغير أي تعديل لهذا الدستور تم في عهد السادات أو مبارك من طبيعة الدستور هذه بل أكدتها، وهو ما زاد سمعته سوءا.. اليوم و نحن نريد أن نضع دستورا جديدا للبلاد فنحن عند مفترق طرق استراتيجي ، فإما أن نكتب دستورا ينطلق من ما تتفق عليه أغلبية شعبنا أو دستور نخبة جديد لا يرى فيه الشعب عنوان له و لقيمه السياسية وهويته الحضارية.. الطريق الأول معروف ، وقد صوتت عليه أغلبية الشعب بالموافقة ، انتخاب مجلس نيابي في أقرب وقت يكون من مهام نوابه الذين يحملون تمثيلا حقيقيا من الشعب اختيار لجنة لوضع الدستور، و بالتالي تكون لهذه اللجنة تمثيلية حقيقية مستقاة من انتخابات شعبية، أما الطريق الثاني الذي لا نجده سوى استنساخ للتجارب التاريخية المبتورة السابقة ، فهو ما يتحدثون عنه من لجنة تأسيسة لصياغة دستور الآن من خبراء و قوى سياسية و شخصايت فاعلة (و كلها شرائح نخبوية) لا يتحدث أكثر الدعاة لها عن انتخابها من الشعب بالاقتراع المباشر. و لا يغير من الطبيعة النخبوية لدستور يوضع بهكذا طبيعة أن يعرض للاستفتاء لأن أغلب الناخبين في هذه الحالة لا يتاح لهم قراءة الدستور كله، أو الإحاطة بمختلف أبعاده، ويصوتون غالبا من خلال انطباعاتهم التي يخلقها الإعلام، وغيره من وسائل تشكيل الرأي العام.
الخميس، 26 مايو 2011
مصطلحات فكرية و فلسفية (1)
الأربعاء، 25 مايو 2011
بيان أمانة حزب الوسط بالإسكندرية حول الدعوة لتظاهرات يوم 27 مايو 2011
الثلاثاء، 24 مايو 2011
عندما تكلم المرحوم المسيري دفاعا عن الهوية
يرى البعض أن هناك استهدافاً للهوية العربية بحد ذاتها أو بشكل خاص، ولكنني أذهب إلى القول أن هذا صحيحاً وغير صحيح فى الوقت ذاته، فهناك ما يهدد الهوية على الصعيد العالمي، حيث أفرزت الحضارة الغربية ظواهر تهدد ظاهرة الإنسان نفسه، من أهمها ما أسميه الاستهلاكية العالمية التي تضرب صميم ثوابت الإنسان وأخلاقياته. لقد ظهر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة حضارة جديدة تتميز بالبرجماتية بمعنى أنها تفضل السهل على الخيّر والجميل. هذه الحضارة حققت انتشاراً غير عادي وأصبح يطلق عليها اسم النظام العالمي الجديد، وهى ترجمة لنظرية أن الناس هم مجموعة من البشر ليست لها هويات محددة، وما يهم هو الوفاء باحتياجاتهم المادية المباشرة، وبذلك اختفى المشروع الخاص وحلت محلة حضارة الكوكاكولا والهامبورجر! ومع تآكل الهوية، يزداد التراخي الإنساني، وتزداد النزعات الذرية في المجتمع، وتصبح الهجرة إلى الخارج أو السطو على بنك أو شراء ورقة يا نصيب هو الحل، وأصبح من الصعب أن نطلب من الجماهير أن تستيقظ مبكرة وأن تضحي بنفسها وأن تؤدي عملها في غياب مثل أعلى!! لابد أن يدرك الناس أن الهوية ليست مجرد فولكلور ولكنها فى واقع الأمر تعبير عن رؤية كاملة للكون.فالناس تستيقظ كل يوم لأداء عملها لتحقيق هدف ما، ولكن بدون وجود هدف تصبح عملية الاستيقاظ عملية بيولوجية خالية من المعنى. بينما أعتقد أنه في ظل وجود مشروع حضاري يعبر عن الهوية وعن رؤية الكون يصبح الاستيقاظ فعل إنساني يسهم في بناء الوطن.
ومع هذا هناك عوامل تهدد الهوية العربية على وجه الخصوص منها أن حضارة الصورة بدأت تحل محل اللغة المكتوبة أو الشفهية، والعرب لم يتملكوا بعد ناصية هذه اللغة الجديدة، ولذا فإن الأفلام الأمريكية والفيديو كليبات (التى تعبر عن رؤية للكون لا تكترث كثيراً بالهوية أو بمجموعة القيم المرتبطة به) تكتسح الإنسان الغربي وتقوضه.
كما أن أكبر تهديد للهوية العربية هو الدولة الصهيونية لأن مشروعها هو بعث ما يسمى "الهوية اليهودية"، وهذا يتطلب تفتيت الهوية العربية ومحوها. ومن هذا المنظور الصهيوني لابد من العودة إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت هناك هوية آشورية وفرعونية وفينيقية، ومن هنا الدعوة للعودة إلى الحضارة الفرعونية، وإلى الحضارة الفينيقية في لبنان والحضارة الآشورية البابلية في العراق!وهذه كلها حضارات متحفية جميلة لكنها ليس لها امتداد في الحاضر. ولكن الدولة الصهيونية تريد أن يصبح الشرق الأوسط مقسم إلى دويلات أثنية ودينية وعرقية، ومن ثم تصبح الدولة العبرية مسألة طبيعية للغاية، لأنه داخل التشكيل الحضاري العربي فإن مثل هذه الدولة تصبح كيانا دخيلا شاذا! وقد ترجم المخطط الصهيوني نفسه في الآونة الأخيرة إلى فكرة السوق شرق الأوسطية ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث يتم تفتيت الهويات، لتظهر الهوية العبرية وتقوم بقيادة المنطقة وتوظفها لصالح الغرب.
هناك كذلك محاولة لضرب الفصحى، وعاء الذاكرة التاريخية، وبدون هذه الذاكرة التاريخية وبدون الفصحى يتحول الإنسان العربي إلى الإنسان ذي البعد الواحد الذي يمكن التنبؤ بسلوكه ويمكن توجيهه ليستهلك السلع التي تنتجها له الشركات عابرة القوميات والحدود والهويات. أما الإنسان الذي لا يدخل ضمن هذه المنظومة فإنه إنسان غير استهلاكي وبالتالي فهو بوسعه مقاومة هذه المنظومة.
لكل هذا لابد أن نتصدى للجهود المبذولة لتفتيت الهوية، فلابد أن نبين لجماهيرنا أن الهجوم على الهويات هو إحدى السمات الأساسية للنظام العالمي الجديد، وأن الهجوم على الهوية العربية هو إحدى البنود الأساسية فى المخطط الاستعماري بالنسبة لعالمنا العربي، وأن نبيّن لهم ضرورة التمسك بالهوية، وأنها ليست مجرد زخرف جميل، وإنما مكون أساسي من شخصيتنا القومية، وأن التنمية بدون تفعيل الهوية أمر مستحيل. وحيث أن منتجات الحضارة الغربية (الأفلام- الفاست فوود- الاستهلاكية) هى التى تهدد هويتنا، يصبح من الضروري أن نبيّن الجوانب المظلمةللحضارة الغربية ولمنتجاتها التى تُصدّر لنا والتى نبتلعها ونهضمها بسهولة بالغة. ومن هنا ضرورة قيام وكالة أنباء عربية متخصصة تعمد إلى رصد هذه الحضارة، بعيدا عن تأثير الإعلام الغربي، وتبيّن الثمن الفادح الذى يدفعه المواطن الأمريكي بسبب سياسات الحكومة الأمريكية. كما يجب أن نطرح مفهوماً للوحدة غير العضوية فيما أسميه "الوحدة الفضفاضة" التى تفسح المجال أمام كل الجماعات الإثنية والدينية أن تعبر عن هويتها، طالما أن هذا التعبير لا يفت في عضد سيادة هذه الدولة. فالنظام التعليمي -مثلا- ينبغي أن يقبل بالتعددية. والوحدة الفضفاضة هذه تسمح لكل دولة أن تدخل في إطار الوحدة العربية دون أن تفقد ما يميزها. فالمغرب -على سبيل المثال- بلد عربي إسلامي، يتسع لجماعات أخرى مثل الجماعات الأمازيغية. والعراق بلد عربي إسلامي يتسع للسُنَّة والشيعة والأكراد والتركمان.
وأعتقد أن نموذج مصر نموذج جيد لهذه الوحدة الفضفاضة، فرغم كل الأحداث (الأخيرة)، يظلأقباط مصر لهم عقيدتهم وهويتهم، ويظلون جزءاً من المجتمع المصري. إن فرض مفهوم الوحدة العضوية يؤدي إلى العنف والصراع، أما مفهوم الوحدة الفضفاضة فسيخلق لكل جماعة فضاءها الحضاري الخاص بها، وسيندرج الجميع داخل إطار التشكيل الحضاري العربي. ولعل ما حققته الدول الأوربية من خلال الاتحاد الأوربي قد يكون نموذجا نسترشد به.
وقد فشلت مشاريع النهضة العربية فى العصر الحديث لأنه، مع الأسف، لا يزال البعض يرى أن جوهر المشروع النهضوي العربي هو التخلي عن هويتنا وتراثنا ثم اللحاق بالغرب. وقد أدى هذا إلى إسكات حاستنا النقدية في علاقتنا بالغرب، ونكتفي بنقل ما يأتينا من أفكار. لننظر مثلا موقفنا من الحداثة؟ هناك من السلفيين من يرى ضرورة رفض كل ما يأتينا من الغرب، وهناك الأصوليين العلمانيون الذين يرون ضرورة (وأحياناً حتمية) تبني منظومة الحداثة الغربية، بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، وكأننا كائنات متلقية تستوعب كل ما يأتينا من الغرب دون أن نعمل ملكتنا النقدية؟ ألا يمكن أن نُخضِع هذه الحداثة الغربية لعملية نقد وتقييم صارمة، فنبيّن جوانبها المظلمة، ثم نطرح رؤيتنا لحداثة إنسانية إسلامية تضم الجميع، ولا تجعل من تصاعد معدلات الاستهلاك مؤشراً يتيماً على التقدم؟
بل فلننظر إلى ما فعلنا مع مدرستين فكريتين مثل البنيوية والتفكيكية. لم يسأل أحد لماذا أصبح الغرب بنيويا معاديا للإنسان؟ لقد تعلمنا قديما الإنسانية الهيومانية من الغرب، فلماذا قرر الغرب فجأة في الستينيات أن يعادي الفكر الإنساني الهيوماني، ويرى أنه ملوث بالميتافيزيقا؟ ماذا حدثلتأتي التفكيكية وتعلن انتهاء المعنى وفشل اللغة، وموت المؤلف؟ لقد تحولنا إلى ناقلين، وعندما ينظر أحدنا إلى كتاب نقد أدبي غربي فإنه ينقل ما فيه بأمانة شديدة، ولا يسأل: إلى ماذا سيؤدي هذا المفهوم، وما مغزاه، وما هي المفاهيم الكامنة فيه؟
وقد لوحظ فى الآونة الأخيرة استقطاباً واسعاً فى الساحة المصرية حول طبيعة هوية مصر، إذ ظهر مرة أخرى دعاة العودة إلى الفرعونية، والذين ينادون بأن "مصر أولاً". وفى تصوري أن هؤلاء لا يفهمون لا حقائق الجغرافيا ولا حقائق التاريخ. ولعلهم لو قرأوا جمال حمدان لفهموا بعض هذه الحقائق، ولعرفوا أن هم الاستعمار الغربي هو فصل مصر عن الجسد العربي، فيتهاوى الجميع سويا. وهذا كان هو هدف معاهدة كامب ديفيد. ألا يتم تقسيم العراق والسودان ولبنان ومحاصرة فلسطين، و "مصر أولاً" جالسة تراقب، وتلعب دوراً ذيلياً غير مؤثر غير مدركة أن كل هذا يهدد أمنها القومي؟ إن مصر (وفلسطين) من أهم البلاد فى العالم من الناحية الاستراتيجية، ولكن بنيتهما التحتية السكانية والاقتصادية لا تمكنهما من الدفاع عن نفسيهما. ولذا حين كانت تحدث نهضة فى مصر كان لابد وأن تدافع عن جناحها الشرقي وتوطد صلتها ببقية العالم العربي، حتى يتحدث الجميع بصوت واحد أو تتحدث مصر باسمهم. هذا ما فعله الفراعنة، وهذا ما فعله إبراهيم باشا فى العصر الحديث، ثم جمال عبد الناصر. ولذا كانت مواجهته مع الاستعمار مواجهة شرسة، انتهت بضربة 67. ثم أطلت الفرعونية و"مصر أولاً" برؤوسها تعبيراً عن هذه الهزيمة، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ويسأل البعض متى تستعيد مصر دورها الثقافي، وهل هذا له علاقة بقضية الهوية؟ وللإجابةعلى هذا السؤال لابد أن أوضح أمرين: أولاً يجب علينا أن ندرك أن العالم العربي لم يعد كما كان في منتصف القرن الماضي. ففي الخمسينيات كان يوجد مركز قوي وكثيف للثقافة العربية هو القاهرة، وكانت الأطراف ضعيفة. أما الآن فالأطراف لم تعد ضعيفة إذ يوجد مراكز ثقافية عديدة في العالم العربي من أهمها المغرب وسوريا والعراق قبل الاحتلال ولبنان والسعودية. لقد أقمت فى السعودية عدة أعوام وتعرفت على النشاط الثقافي الثري فيها وعلى مجموعة من المثقفين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من المعرفة والإبداع. كما أننا نعرف جميعاً الإبداعات الفكرية التى تأتينا من المغرب وتؤثر فى كثير من الشباب المصري. كما أنني على علاقة طيبة بكثير من المثقفين والناشرين السوريين وأعرف إسهاماتهم الثرية الكثيرة.
ثانيا يجب أن ندرك أن مصر لن يمكنها أن تستعيد دورها القيادي الثقافي داخل هذا الوضع الجديد فى العالم العربي، حيث لا مركز ولا أطراف، أو أطراف قادرة على الإبداع والإسهام، إلا بعد أن تعرِّف هويتها، ونحن إن عرفّنا هويتنا سيكون بوسعنا أن نعرّف أولوياتنا وأن نقرأ ماضينا وحاضرنا، ومن ثم يمكن أن نتحرك نحو المستقبل. كما أنه إن عرفّنا الهوية فيمكن أن نجند الجماهير لتحقيق مشاريعنا نحو التطوير والتنمية والتحديث. فالإنسان لا يستجيب للقانون العام، وإنما يستجيب لما هو متعين وخاص، إذ بوسعه أن يستوعبه ويستبطنه ثم يتحرك في إطاره. إن أي مشروع للتنمية يتطلب قدرا من الإرجاء لإشباع الرغبات حتى يتحقق قدرا من التراكم. هذا الإرجاء ممكن في إطار مشروع قومي يتجاوز الفرد واحتياجاته المادية المباشرة وهمومه اليومية الخاصة. فبوسع الإنسان أن يحرم نفسه من الإشباع المباشر والفوري في إطار مثل أعلى سيحقق له، ولأولاده من بعده، قدرا من السعادة الآجلة. لكي تقود مصر المنطقة العربية لابد أن تحدد هويتها.
وأنا أتساءل هل مصر بمكوناتها الحالية مرشحة لهذا الدور، أم أننا على مشارف تآكل هذه الهوية؟ وسوف أجيب على كل هذه التساؤلات بصراحة فأقول "أنا متشائم!!" لأن التوجه الآن في مصر هو توجه برجماتي عملي، فنحن نحاول أن نجد حلولا لبعض المشاكل الملحة مثل مشكلة الغلاء، أو المواصلات، أو المساكن، أو الميزان التجاري أو العطش دون أن نضع استراتيجية عامة، ولا يمكن وضع مثل هذه الاستراتيجية إلا بعد أن نعرّف هويتنا ومرجعيتنا النهائية. وأنا أزعم أن هذا المشروع الحضاري الذي يستند إلى تعريف للهوية غائب عن مصر. فالهوية المصرية على المستوى المصري أو العربي أو الإسلامي ستزداد ترهلا وميوعة!!
والله أعلم
منقول من موقع http://www.elmessiri.com/
الاثنين، 23 مايو 2011
حتى لا نفرق الوطن ونكون شيعا
المتابع للحوارت السياسية بين الفرقاء اليوم في مصر يلاحظ تشابها بين بعضها وبين حوارات علم الكلام القديم، و علم الكلام مصطلح يطلق على المناظرات الجدلية التي اشتعلت خلال التاريخ العقلي للمسلمين ، وتحديدا في القرون الهجرية الخمسة الأولى، و أما موضوعها، فكان عقائديا يتعلق بالله، إثبات وجوده بالدليل العقلي، والحديث عن ذاته وصفاته، و كذا اثبات النبوات، والرسالات ،و الشرائع عقليا، و امتد للحديث في قضية الإمامة و الأحداث التي دارت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه بسبب إصرار بعض الفرق الإسلامية لاعتبار هذه المسائل من قضايا الأصول التي يتعلق بها هذا العلم و ليس من الفروع.. ربما تسألني و ما وجه المقارنة بين جدل يدور حول هذه الموضوعات، والجدل الحالي في الساحة المصرية الذي يدور حول قضايا سياسية بالأساس، و أزعم أن المتأمل يجد وجها كبيرا للشبه في الطرق التي يتم بها النقاش بين المختلفين، و إن كانت الموضوعات مختلفة تماما في الحالتين.. اعتمد علم الكلام تقنيتين جدليتين، التقنية الأولى طريقة الهدم المنطقي؛ لنفترض أنني أؤمن بالفكرة "س"، وأني أسست اعتقادي عليها على القاعدتين "أ"، "ب" اللتين نعتقد أنا وأنت أنهما صحيحتان، و أنت تؤمن بالفكرة "ص" و أنك أسست اعتقادك فيها لأنها نتيجة منطقية للقاعدتين "جـ" ، و "د" اللتين أعتقد أنا وأنت أيضا أنهما صحيحتان، و أن الفكرة "س" مع ذلك تعارض الفكرة "ص" على نحو يفترض أن نحدد أيهما صحيح ، و أيهما خاطيء، فتأتي أنت (كمناصر للفكرة "ص") وتقول: إذا كانت "س" صحيحة فهذا يؤدي بالضرورة إلى أن تكون الفكرة "ع" صحيحة (لاحظ أن الفكرة "ع" هذه لم أقل بها أنا ولكنك افترضتها أنت على أساس أنها تستخلص منطقيا و بالضرورة من "س") و الفكرة "ع" هذه تتناقض مع الفكرة "أ" التي يجب أن تكون صحيحة حتى تكون الفكرة "س" نفسها صحيحة، و هذا تناقض منطقي يجعل استدلالي من وجهة نظرك باطلا، فآتي أنا و أرد عليك قائلا: " ولكن الفكرة "ص" أيضا التي تؤمن أنت بها تؤدي منقطيا للنتيجة "ط"و هي تتناقض مع الفكرة "حـ" التي يجب أن تكون صحيحة لكي تكون الفكرة "ص" صحيحة إذن فالفكرة "ص" باطلة، والواضح أن هذه الطريقة في الحوار لا يمكن أن تصل لنتيجة لأنها طريقة تقوم على إفحام الخصوم والرد عليهم ، وليس البحث عن الحقيقة والسعي إليها، و من الواضح أيضا أن الحوار هنا ينتهي من غير أن يسلم أحد للآخر بسلامة موقفه، بل يخرج كل منهما، وقد ازداد غضبا و تعصبا، ولذا يتجه مباشرة للتقنية الثانية : "الهجوم و الاتهام" ، و قائمة الاتهامات الكلامية طويلة تبدأ بالابتداع و الخورج من الفرقة الناجية التي احتكرتها كل طائفة لنفسها، ثم الزندقة، وصولا للتكفير ، و بهذا لم ينتبه المتكلمة لأنهم خرجوا في كثير من أطوارهم عن مقتضى التحذير القرآني" ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون". مع ذلك فإن كثيرا من المجادلات السياسية في بلدنا تستخدم نفس الطريقتين، تابع أي حوار تلفزيوني أو في جروب على الفيس بوك بين ليبرالي، و إسلامي، أو بين ناشط إسلامي و ناشط قبطي ، أو بين مؤيد للمجلس العسكري ، وداع لمجلس مدني ..الخ نجد الحوار يبدأ بمحاولة إفحام الخصوم بالهدم المنطقي لأدلتهم فلما لا يفلح ذلك ننطلق إلى قائمة الاتهامات ، وهي تكرر نفس الاتهامات القديمة، وتضيف إليها قائمة أخرى تبدأ بخيانة دم الثوار، والانتماء للفلول، و العمالة للماسونية، وتلقي تمويل سعودي، أو إ يراني، أو إسرائيلي، أو أمريكي، أو تدريب خارجي...الخ ، وأحيانا نبدأ في تراشق الاتهامات مباشرة دون أن نمر بالمرحلة الأولى. أسوأ ما في هذه الخلافات أنها و إن كان تبدأ من تصور كل طرف من الأطراف أن لديه ما هو أصلح للوطن ، فإن الصراع يتحول بعد ذلك إلى هدف في حد ذاته يتم المزايدة في سبيل الفوز فيه على الوطن نفسه و مصالحه، فيتم نسف جلسة يفترض أنها للحوار الوطني حتى يظهر البعض أنه "ثوري طحن" لا يقبل أن يشارك "فلة من فلل الوطني المنحل" استنشاق هواء نفس الغرفة أو يتم استغلال الأحداث الطائفية، و التركيز الإعلامي عليها بطريقة تشعل الحرائق ولا تطفئها على أمل أن تمسك نار هذه الحرائق بثوب التيار الإسلامي الذي لا يتعاطف معه أغلب الإعلام وتحرقه ، دون انتباه لأن النفخ في النار قد يحرق البيت كله الذي هو الوطن، وبهذا المنطق يقوم بعض النشطاء على الجانب الآخر بتشويه مفكر مجتهد نحسبه محترما و مخلصا كعمرو حمزاوي لأنه مر عرضا عبر بوابة الحزب الوطني قبل أن يقدم استقالته قبل أعوام، أو لأنه استدرج للحديث في منطقه حساسة تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية ليست في مقدمة جدول أعمال الوطن ولا ينبغي أن تكون، بل إن جدول أعمال الوطن هذا لا يبدو أنه محل احترام أو اتفاق، فبينما تدل شواهد عديدة أن تيارا غالبا في الشارع يولي اهتماما أكبر في هذه المرحلة للقضايا الاقتصادية لا يزال البعض بعتبر أولويته مجلسا مدنيا للحكم ضاربا عرض الحائط بنتيجة استفتاء لم يستطع أن يشكك في نزاهته، فانتقل لمرحلة الاتهامات، وهي اتهامات تطال الغالبية من أبناء الوطن متهمة إياهم بالجهل و السذاجة، و الخضوع للابتزاز الديني ، وفي ذلك ما لا يخفى من الاستعلاء الذي نندهش أن يصدر من دعاة للديموقراطية لكنها روح الصراع عندما يصبح الانتصار فيه هدفا يندفع الإنسان لتحقيقه على حساب الديموقراطية، والأخلاق، و على حساب الوطن.
الجمعة، 20 مايو 2011
تطوير الجامعات كشرط للنهضة (تجربة آسيوية)
مفاهيم إسلامية (3): المسئولية الإجتماعية في الإسلام
الخميس، 19 مايو 2011
مناضلون مسلمون (5): المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي
الأربعاء، 18 مايو 2011
نحو مبادرة لنشر أخلاقيات التنمية
الاثنين، 16 مايو 2011
الطريق إلى نكبة فلسطين في سطور (حتى لا ننسى)
الأحد، 15 مايو 2011
عن الوحدة الوطنية؛ المفهوم و الآليات
الجمعة، 13 مايو 2011
تجارب تنموية عبر العالم (3) تركيا؛ معجزة على البسفور
تجربة تركيا بالأرقام:..
مزايا مناطق التطوير التكنولوجي:
توفير مرافق البنية التحتية وإعداد المكاتب للتأجير
إعفاء الأرباح المكتسبة من البرامج وأنشطة البحث والتطوير من ضريبة الدخل وضرائب الشركات
إعفاء شحنات البرمجيات التطبيقية المنتجة حصريًا في مناطق التطوير التكنولوجي من ضريبة القيمة المضافة
إعفاء رواتب الباحثين والموظفين العاملين في مجال البحث والتطوير والبرامج في المنطقة من جميع الضرائب
2- المناطق الصناعية المنظمة
# تم تصميم المناطق الصناعية المنظمة بحيث تتيح للشركات في صناعات بعينها العمل ضمن بيئة ملائمة للاستثمار من خلال بنية تحتية متوفرة والمرافق الاجتماعية.
# تشمل البنية التحتية المتوفرة في المناطق، الطرق والمياه والغاز الطبيعي والكهرباء والاتصالات ومعالجة النفايات وخدمات أخرى.
# توجد ٢٦٣ منطقة صناعية منظمة في ٨٠ إقليمًا، ويجري العمل حاليًا في ١٤٨ منطقة من بينها، في حين تعتبر المناطق الصناعية المنظمة المتبقية، البالغ عددها ١١٥ منطقة، قيد الإنشاء في جميع أنحاء تركيا.
3- المناطق الحرة:
# تُعرف المناطق الحرة بأنها مواقع خاصة تعتبر خارج منطقة الجمارك بالرغم من أنها تقع ضمن الحدود السياسية للبلاد. ويتم تصميمهذه المناطق بحيث تساعد على زيادة عدد الاستثمارات القائمة على التصدير.
# يتم تطبيق التشريعات المحلية والإدارية التي تُطبق على المجالات التجارية والمالية والاقتصادية، والتي تطبق ضمن المنطقةالجمركية، إما بشكل جزئي أو لا يتم تطبيقها على الإطلاق في المناطق الحرة.
#توجد بتركيا ٢٠ منطقة حرة (يجري العمل في ١٩ منطقة من بينها) تقع بالقرب من أسواق الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وعلى مقربة من الموانئ التركية الكبيرة المطلة على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود وتتمتع بسهولة الاتصال بالطرق التجارية الدولية.