الأربعاء، 18 مايو 2011

نحو مبادرة لنشر أخلاقيات التنمية

منذ أن عقد الإمام محمد عبده مقارنته الشهيرة بين المصريين و الفرنسيين التي قال فيها رأيت هناك إسلام بلا مسلمين و رأيت هنا مسلمين بلا إسلام ، و الجملة لا تزال صالحة للاستخدام رغم مرور أكثر من قرن على قولها ، ربما يكون جزءها الأول فقد بعض الصحة مع ازدياد حجم الفساد في الغرب في العقود الأخيرة، لكن جزءها الثاني ينطبق على القطاع الأوسع من مجتمعنا بغير جدال كبير، بالرغم من كل المحاولات التي سعت لتغيير ذلك خلال المائة عام المنصرمة، فخلالها كتبت مئات الأدبيات عن تجديد الخطاب الديني،و ظهر فيها عدد من العلماء الكبار الذين كان لهم تأثير كبير على حركة الفكر الإسلامي بداية بتلميذ عبده الشيخ رشيد رضا وصولا إلى الأستاذ العوا مرورا بالشيخ محمدالغزالي، والشعراوي، ويوسف القرضاوي وغيرهم كثير، وخلالها تأسست الجماعات و الجمعيات الدينية الأبرز مثل الجمعية الشرعية، و أنصار السنة، والإخوان المسلمين، فضلا عن الجماعات المسلحة التي ظهرت في الثمانينيات و بعض من تسعينيات القرن الماضي ، لكن كل ذلك فشل في تغيير الحقيقة الكبيرة التي عبر عنها الشيخ محمد عبده، و هذا أحد الأسباب الكبرى لفشل التنمية رغم المحاولات المتعددة لإنجازها، وهو ما يمكن أن نسميه غياب أخلاقيات التنمية، و التنمية كما لا بد أن نعرف تشمل التطور في مختلف معايير الحياة الإنسانية و ليس فقط النمو الاقتصادي ، إن مظاهر ذلك في حياتنا العامة واضحة نراها في غياب قيم العفاف عن الكسب الحرام، و المبادرة الفردية، ومفاهيم التكافل الاجتماعي ، و المسئولية الاجتماعية، و غياب الروح العلمية، وقيمة احترام الوقت، ومظاهر النظام،و الجدية في العمل، و قبول الآخر، و التواضع ، و انتشار الرشوة، والتربح ، والسلبية ، والأثرة، والفهلوة،و الكسل، والعشوائية، و التعصب، و التكبر ، والعزة بالإثم.. إن الوسائل القانونية ، والأجهزة الرقابية، لا يصلحان وحدهما لضبط الأمور إذا انتشرت القيم السلبية بين الأمة انتشارا واسعا، لأن القائمين عليها هم عينة من المواطنين الذين قد تكون السلبيات الأخلاقية بينهم منتشرة بما يقلل من فاعلية هذه المؤسسات التي صممت بطبيعتها لتعقب أقلية غير ملتزمة.. لقد بات شائعا عن من زار دولا في الغرب حديثهم عن التزام المواطنين هناك بإِشارات المرور رغم اختفاء رجال المرور من المشهد، وما ذاك إلا لأن قيمة النظام قد أصبحت عندهم عادة يجرون عليها بغير تفكير، و كذا تتوقف السيارة حتى تسمح بعبور الراجلين للطريق لأن مباديء الذوق العام صارت في المجتمع عرفا يخشى مخالفها من الازدراء بين الناس وفي عين نفسه، وقد لا يعلم الكثيرون أن أكبر حجم للتبرعات الخيرية في العالم يسجل في الولايات المتحدة ويقدر بنحو 300 مليار دولار سنويا 83% منه من الأفراد ، وهو التزام بمفهوم المسئولية الاجتماعية يتربى عليه المواطن تماما كما يتربى على اعتبار التأخر خمس دقائق عن موعد العمل تأخيرا بينما يكون مقبولا لدينا التأخر لنصف ساعة و ربما أكثر.. بالطبع الغرب ليس يوتوبيا، فهناك الانحلال، وغياب دور الأسرة، والتزايد في معدلات الفساد أخير، كما أن هناك العنصرية، والميول الاستعمارية التي لم يستطعون التخلص منها، لكنهم ما نجحوا في بناء نهضتهم إلا لأن أخلاقيات التنمية كانت حاضرة بوضوح في مجتمعهم..إن محاولات رواد الإصلاح الإسلامي أفرادا و جماعات خلال المائة عام الأخيرة كان من أوجه قصورها الانشغال بما هو فكري عما هو ميداني ، وبالجدل حول القانوني على حساب تنمية الضمير حيث اختزلت الشريعة إلى شقها القانوني ، واختصر هذا الشق أيضا إلى ما يتعلق بالقانون الجنائي و بالأحوال الشخصية ، و شهد الخطاب الديني تعاملا غير متوازن ركز فيه بشدة على العفاف بمفهومه الجنسي إن جاز التعبير أكثر من رؤية أخلاقية شاملة تدفع النمية و تضبطها كذلك. إن المطلوب هو حملة تربوية شاملة يشترك في الإعلام التقليدي، والجديد، والجامع، والكنيسة ، و المدرسة، و الجامعة، والأحزاب، والجمعيات، و كل نشطاء المجتمع تهدف إلى ترسخ أخلاقيات التنمية كشرط لتحقيق نهضة البلاد، وهي الأخلاق التي لا يمكن أن نتوقع أن تحقق أي خطة تنمية نتائجها المرجوة من دون أن تسود مجتمعنا

(امانة الإعلام و التوعية المجتمعية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق