الجمعة، 20 مايو 2011

تطوير الجامعات كشرط للنهضة (تجربة آسيوية)

هذا ملخص مقالة كتبها ريتشارد ليفين رئيس جامعة ييل الأمريكية في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عدد مايو/يونيو 2010، ويتحدث فيها عن الجهود التي بذلتها الدول الآسيوية منذ الحرب العالمية الثانية للأرتقاء بمستوى تعليمها بما في ذلك الحرص على تأسيس جامعات ذات شهرة عالمية نظرا لأدراك هذه الدول للعلاقة القوية بين مستوى التعليم والنمو الأقتصادي في عالم تسوده المنافسة ويتصف بالمعرفة المتطورة . ويذكر الكاتب كيف حرصت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على اعداد طاقاتها البشرية منذ الستينيات لمواجهة حاجات الثورة الصناعية . ويذكر كذلك كيف استطاعت الصين بعد ذلك دعم جامعاتها حتى برزت من بينها تسع جامعات تعتبر متميزة عالميا وتتجه الهند لأنشاء حوالي 14 جامعة جديدة متميزة ، وكذلك الحال مع سنغافورة التي تخطط لقيام جامعتين اضافيتين ، واحدة تتخصص في التقنية ، بينما الثانية تعمل بالنظام ألأمريكي وتكون مرتبط بجامعة سنغافورة الوطنية . ويتنبأ الكاتب بأن الجامعات الاسيوية ستكون من بين افضل الجامعات في العالم في منتصف القرن الحالي .يشير الكاتب الى منطقية تنبه الدول الآسيوية الى أهمية النظام التعليمي في التنمية ذلك ان القوى العاملة الماهرة هي التي كانت سببا في تحول اليابان وكوريا الجنوبية من اقتصادات زراعية الى اقتصادت صناعية معتمدة على مهارات منخفضة ثم الى اقتصادات صناعية معتمدة على مهارات متقدمة وذلك لم يتحقق الا باستثمارات حكومية كبيرة في هذه النظم التعليمية وبالتالي فقد بدات هذه الدول برفع معدلات تسجيل ابنائها في الجامعات كمقدمة للسعي الى بناء جامعات متميزة.
منافسة مع الأفضل:
بالأضافة الى ادراكها لأهمية رفع نسبة المسجلين في الجامعات من السكان ، ادركت القيادات الآسيوية أهمية انشاء جامعات متميزة عالميا ذلك بأن هذه الجامعات تمثل مراكز اشعاع وابتكار واختراع لأفكار ومنتجات جديدة وتصبح بمثابة محركات للتنمية في السنوات القادمة وتعطي هذه الدول مكانة تنافسية . ففي رأي الكاتب كان نمو اليابان خلال الفترة ما بين 1950 و1990 أكبر من نمو الولايات المتحدة ذلك لأن اليابان خلال هذه الفترة كانت لديها عمالة زراعية عاطلة تقبل اجورا منخفضة وقد استخدمتها اليابان في تحريك اقتصادها خلال الفترة المذكورة ولكن ما ان تم استيعاب هذه العمالة في القطاع الصناعي وبدات الأجور ترتفع لأنه لم يعد هناك مزيد من البطالة بدأ ألأقتصاد الياباني ينمو بمعدلات اقل من معدلات النمو في الولايات المتحدة وذلك لأن هذه الأخيرة كانت معتمدة على شركات تقوم على المعرفة والأبتكار والتقنية المتطورة مثل ميكروسوفت ونيتسكيب وأبل وجوجل وغيرها من المؤسسات التي كانت سببا في النمو الأقتصادي حتى بداية أزمة 2008 . وبالتالي فان الدول الاسيوية تدرك اهمية الأنتقال من العمالة الرخيصة كمحرك للنمو الى انتاج سلع وخدمات مبتكرة ومتطورة وتنافسية اذا ارادت ان تحافظ على نموها ألأقتصادي في السنوات القادمة . ولكن تأسيس الجامعات المتميزة عالميا لايحدث بجرة قلم وانما ياخذ وقتا ويتطلب توفير شروط معينة . فقد استغرق جامعة هارفارد وييل في الولايات المتحدة قرونا من الزمان لينافسا الجامعات البريطانية كأكسفورد وكامبريدج وكذلك الحال مع بقية الجامعات الأمريكية التي تميزت عالميا . وجدير بالذكر انه حتى اليوم لاتوجد جامعة آسيوية بين افضل 25 جامعة في العالم سوى جامعة طوكيو التي تأسست عام 1877 . هذا عن الوقت الذي يتطلبه تاسيس جامعة متميزة ، اما الشروط المطلوب توفرها فيمكن تلخيصها في درجة تطور المباني والمرافق الجامعية وحجم التمويل وتنافسية الرواتب والأمتيازات التي تعطى لأعضاء الهيئات التدريسية والبحثية و تجذب أ‘ضاء هيئة التدريس الأفضل في العالم . ويشير كاتب المقالة الى ان الصين استطاعت في السنوات الأخيرة ان تقطع شوطا كبيرا في ما يتعلق بانشاء مرافق جامعية متطورة ومراكز ابحاث حديثة ، وقد استطاعت كذلك ان ترفع من مكافآت العاملين في هذه المؤسسات حتى ان عدد العلماء الصينين العائدين من الولايات المتحدة الى وطنهم هو في تزايد في السنوات الأخيرة . أما الهند فعلى الرغم من انها تتطلع الى نفس ما حققته الصين الا ان استثماراتها في بناء مؤسساتها التعليمية المتميزة لازالت دون المستوى المطلوب .

أولوية البحث العلمي:
بعد ذلك يتحدث الكاتب عن البحث العلمي الأساسي الذي يعتبر ركيزة لتطوير التقنية الصناعية ولكن المكاسب ألأقتصادية من هذا البحث لاتتحقق الا في المدى الطويل ولذلك فان القطاع الخاص لايقوم بالأنفاق عليه وانما الدولة تقوم بذلك ، فعلى سبيل المثال لما تم اكتشاف الليزر في أواخر الخمسينيات لم يكن أحد يعرف انها سيكون لها دور في جراحة العين حقب بعدها . وقد قدم عام 1945 تقرير الى الرئيس الأمريكي ترومان يتضمن التأكيد على دور البحث في العلوم ألأساسية في التنمية الصناعية وقد تضمن ثلاث مقترحات يعتقد كاتب المقالة انها لازالت تعبر عن أهمية البحث العلمي وهذه المقترحات هي : الدولة هي التي يجب أن تقوم بتمويل البحوث العلمية ألأساسية ، البحوث يجب ان تجري في الجامعات وليس في مختبرات الدولة أو في المؤسسات غير التعليمية ، والتمويل الذي تقدمه الدولة يجب أن يتم تحديد من يتلقاه من قبل اعضاء الهيئة العلمية وليس ألأداريين أو السياسيين . ولازالت الدول ألاسيوية متأخرة عن الولايات المتحدة من حيث نسبة ما ينفق على البحوث ألأساسية وفي كيفية توجيه هذا التمويل بين الباحثين ، ولكن هذه الدول بدات تتنبه لهذا الخلل في السنوات الأخيرة .

أكثر من الحفظ:
يؤكد الكاتب على ان البحث العلمي وحده لايكفي لقيام اقتصاد متطور فهناك ضرورة لتنشئة اجيال ذات خلفية معرفية متنوعة وبناء طبقة رجال اعمال مبتكرة وهذا ما يحصل في رايه في النظام التعليمي الغربي خاصة الولايات المتحدة حيث ان الطالب يعطى الفرصة خلال أول سنتين في الجامعة لتكوين خلفية معرفية واسعة وبعد ذلك يختار التخصص في السنتين الأخيرتين ، اما النظام التعليمي الاسيوي فانه يجعل الطالب يختار تخصصا ضيقا عندما يكون عمره 18 عاما ويستمر فيه بقية سنوات دراسته ، وهذا يجعل الطالب الذي يتخرج من النظام الأمريكي اكثر قدرة على التأقلم مع مستجدات الحياة والعمل وهذا ما لايستطيع الخريج الاسيوي فعله بسبب ضيق معرفته . اضافة الى هذا التركيز الضيق في التعليم الاسيوي يعاني هذا النظام من اسلوب الحفظ والتلقين الذي يجعل الطالب متلقي مقارنة بالطالب الأمريكي الذي يناقش ويطرح افكار ويقترح نماذجا ويحل مشاكلا الأمر الذي يجعل قدرته على الأبتكار والأبداع مستقبلا أكبر من الطالب ألاسيوي . وقد أدركت الدول ألاسيوية ، في رأي الكاتب ، هذه النواقص وبدات في معالجتها وان كان ذلك سيتطلب وقتا طويلا خاصة في دولة كالصين التي تتدخل قيادات الحزب الشيوعي في كثير من قراراتها الأكاديمية .

تشجيع التميز:
بالإضافة الى ما سبق يؤكد الكاتب على ان صعود النظم التعليمية يتطلب ايجاد بيئة منافسة يتم فيها تشجيع ودعم الجامعات التي تبرز وتتميز . ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يتكون النظام التعليمي من مؤسسات متنوعة منها البحثي ومنها التدريسي ومنها المزيج ، ولكن الذي يميز هذه النظم ان التمويل لايتم توزيعه بالتساوي وانما على اساس الأداء ، فالجامعات التي تستطيع ان توفر شروط التميز التي ذكرنا بعضها سابقا يكون نصيبها من التمويل أكبر أما التي لاتظهر تميزا في مناهجها واعضاء هيئات التدريس فيها وحجم ابحاثها العلمية ، تنخفض الموارد التي تذهب اليها . أما في المانيا فقد كانت السياسةالتعليمية منذ الحرب العالمية الثانية تقوم على زيادة عدد المسجلين مما زاد نسبة الطلبة الى ألأساتذة وتم توجيه الباحثين المتميزين الى مؤسسات مختلفة وتم بعد ذلك توزيع الموارد على اسس عادلة اي التوزان في تقديم التمويل وقد ادت هذه السياسات مجتمعة الى عدم ظهور جامعات المانية على مستوى عالمي علما ان المانيا كانت متميزة قبل الحرب في مؤسساتها الجامعية . وقد بدات كثير من الجامعات الآسيوية في السنوات الأخيرة محاولة الفرز بين الجامعات القادرة على التميز والتي تحصل على موارد اكثر ، وبين المؤسسات التي لاتستطيع التميز وبالتالي فانها لاتحصل على زيادة في الحوافز المادية .

المصدر:موقع دار الإسلام http://www.darussalam.ae

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق