السبت، 11 يونيو 2011

نحو خارطة طريق لتحرير البلاد من الفساد


ربما لا يوجد ملف يواجه الوطن بعد الثورة أكثر تعقيدا من ملف مواجهة الفساد، و ربما لا يوجد مسألة مجمع على أهميتها و أولويتها من جميع فرقاء السياسة أكثر من هذه المسألة، ومع ذلك يظل هدف محاربة الفساد، والتغلب عليه، وصولا لطرده من الحياة المصرية، هو الأمر الأكثر صعوبة حيث لا يبدو أن المحاكمات الجارية لرموز الفساد من العهد البائد كافية لمواجهة ذلك الكيان السرطاني المهدد للوطن، وذلك للأسباب الآتية:
- قدم مشكلة الفساد في مصر: منذ عصر الملك فؤاد على الأقل بدأ الحديث عن الفساد في المؤسسة البيروقراطية، و الاقتصادية المصرية كمشكلة حقيقية، ومع ذلك فقد استمر توغل الفساد وانتعاشه، ولم يأت عهد من العهود الملكية أو الرئاسية إلا رفع شعار مواجهته برغم من ذلك لم يأت على البلاد عهد إلا و الذي بعده أكثر فسادا منه ، و هو فساد يتوسع رأسيا (من قمة النظام حتى الموظفين الصغار) ، وأفقيا (من أتفه المعاملان كاستخراج وثيقة ما من مصلحة حتى المزايدات الكبرى و العقود السيادية الضخمة).

-الدور الوظيفي للفساد في مصر: في ظل التفاوت الكبير في الدخول ، و ضعف الدخول الشرعية للوفاء بالاحتياجات الأسرية ،بما في ذلك مرتبات كبار الموظفين ، فقد صار للفساد - للأسف - دور هام في إعادة توزيع الدخول بحيث صار عائد الفساد المصدر الرئيس أحيانا للدخل عند أكثر الموظفين.

-تشوه المنظومة الأخلاقية و الدينية: إما من خلال نقص الالتزام الديني (سواء عند المواطن المسلم أو المسيحي) ، أو تبني نمط شائه من التدين يلتزم بالشكل و الشعائر، من غير أن ينعكس ذلك على سلوك يلتزم قيم الشرف، والعفاف التي تحض عليها مختلف الأديان الكبرى في العالم، أو بتصور أنه يمكن للمنخرط في جرائم الفساد التكفير عن ذلك من خلال الصدقات، أو الحج، وكلها تصورات تمارس خداع للنفس بهدف إسكات الواعز الضميري.

-تشوه المنظومة القانونية: من خلال قوانين تم تفصيلها على مقاس نظم فاسدة تحترف الفساد و تحميه، بات النسق القانوني الموجه لمكافحة الفساد مليء بالثقوب التي تسمح للفاسدين بالنفاذ من خلالها، و باتت بعض الممارسات الفاسدة خارج نطاق التجريم، أو أن عقوبتها لا تتناسب مع الاستفادة المجنية من ورائها (كما هو الحال في الغرامة المتواضعة على جرائم الاحتكار) بما يشجع على اقترافها.

-الوضع غير الديموقراطي الذي أتاح دائما نفوذا غير مقبول لجهاز الدولة التنفيذي على الاجهزة الرقابية بما عطل فتح ملفات الفساد التي تورط فيها كبار التنفيذين و رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السياسي

و في بلد كمصر حيث لا يكاد أي نشاط حكومي يخلو من شبهة فساد ابتداء من منح رخصة سيارة أو مبنى ، أو إدخال مرافق، أو قبول طفل بمدرسة، وصولا لعقود تخصيص الأراضي ، ومنح الرخص للمصانع الكبرى تبدو محاربة الفساد من خلال تعقب الفسادين مسألة معقدة بالفعل ، فنحن -أولا- سنواجه مقاومة شرسة من مئات الآلاف من الفاسدين في مختلف درجات الجهاز الإداري، و من المتربحين من ورائه في القاطاعات الاقتصادية المختلفة، ونحن -ثانيا- سنواجه احتمال أن يكون بعض المحققين و الرقباء أنفسهم من الفاسدين، و نحن- ثالثا- سنواجه مشكلة الأثر السلبي العاجل لمحاربة الفساد على الاقتصاد، فعندما تكون كثرة من الشركات مرتبطة بشكل أو آخر بقضايا فساد، فلا بد أن نتوقع أن تتأثر أعمالها بإجراءات محاربته، بما يضع ضغطا على الاقتصاد ينبغي توقعه و التكيف معه ، و العمل على تقليل أثره، مع التأكيد على أن هذا لا يجب أن يكون مسوغا يدفعنا للتوقف عن محاربة الفساد ، لأن الأثر النهائي للتخلص منه سيكون إيجابيا جدا على الاقتصاد، من خلال النخلص من هدر الموارد، و تشوه العلاقات داخل السوق و كلاهما من النتائج الحتمية للفساد.

إن سياسة ناجعة للتخلص من الفساد يجب أن تعي أننا بحاجة لعدة سنوات حتى نتمكن من القضاء على هذا الأخطبوط، فالآفة التي توغلت في البلاد عبر ما يقرب من قرن لا يمكن أن تختفي في أسابيع أو شهور، وإن الخطة الفعالة لتحرير البلاد من الفساد يجب أن تتضمن ما يلي:
1- إعادة النظر في المنظومة القانونية المتعلقة بمواجهة الفساد لمعالجة أوجه قصورها بحيث لا يفلت فاسد من عقاب حازم.
2- منح استقلالية حقيقية لمختلف أجهزة الرقابة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، و الرقابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع وغيرها و فك ارتباطها برئاسة الجمهورية أو غيرها من المؤسسات التنفيذية ، واستبعاد من تثور حوله الشبهات من أعضائها بحيث لا تضم إلا المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
3- التخلص من الدور الوظيفي للفساد في إعادة توزيع الدخول من خلال منظومة جديدة للأجور في الجهاز الحكومي ترفع عن الموظفين صغيرهم وكبيرهم ذل العوز، و ضغوط الحاجة.
4- قيام المؤسسات الدينية و التربوية و الإعلامية بدورها الحقيقي في التربية على قيم العفاف ، وطهارة اليد ، و الترفع عن الكسب الحرام.
5- الحذر من تعميم صفة الفساد على فئة بعينها (مثل رجال الأعمال)، وتأكيد المجتمع و الحكومة أن مكافحة الفساد لا تنطلق من موقف أيدلوجي يعادي أصحاب الأعمال بشكل مطلق، وتقديم الحوافز الحقيقية للمستثمر الجاد لتشجيعه على مواصلة أعماله، وتطويرها.

(أمانة الإعلام والتوعية المجتمعية)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق