الثلاثاء، 21 يونيو 2011

مصطلحات فكرية و فلسفية (2)

نواصل -بإذن الله- ما بدأناه في موضوع سابق من شرح لمصطلحات فكرية وفلسفية

4- علم الكلام:
مصطلح يطلق على المحاورات الجدلية التي ظهرت في مرحلة الازدهار العقلي للحضارة الإسلامية حتى القرن الخامس الهجري ، و تتعلق بالله؛ ذاته، و صفاته ، وما يجوز نسبته إليه و ما لا يجوز في حقه، وقد بدأت هذه المضوعات تفرض نفسها على العقل الإسلامي منذ الخمس الأخير للقرن الهجري الأول ، وكانت في بدايتها مرتبطة بشكل واضح بالصراع السياسي ، فقد كان أول نقاش كلامي يدور حول حكم مرتكب الكبيرة، وهي كلمة عامة، ولكنها كانت تشير في سياقها التاريخي للحاكم الظالم الذي يقتل و بنهب و يعتدي على حرمات الرعية، فتبنى الأمويون مذهبا عرف بالإرجاء كان يزعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن إيمان أفجر المسلمين كإيمان جبريل وميكال، و أن الإنسان غير مسئول عن المعاصي والذنوب التي يقترفها فهي -عندهم- مقدرة عليه مجبور عليها ليس له اختيار أو قدرة على الامتناع عنها، في المقابل تبنى الخوارج تكفير مرتكب الكبيرة كفرا يخرج من الملة ويهدر الدم و يحل المال و السبي، ثم ظهر واصل بن عطاء بقول جديد هو المنزلة بين المنزلتين فجعل مرتكب الكبيرة فاسق تجري عليه أحكام المسلمين في الدنيا لكن إن لم يتب حتى موته فهو خالد في النار بمعاصيه، فكان ذلك أول ظهور للفرقة الكلامية التي ستعرف بالمعتزلة، لكن سرعان ما انفصل الكلام عن خلفيته السياسية وتحول لعلم مستقل بذاته، بل إن المعتزلة الذين كانوا في فريق المعارضة صاروا مقربين من السلطة في عهد المأمون والمعتصم العباسيين اللذين حاولا فرض الاعتزال قسرا، وعذب في ذلك الكثير أشهرهم أحمد بن حنبل. في القرن الثالث الهجري ظهرت فرقة كلامية جديدة سرعان ما كتب لها الانتشار أكثر من جميع المدارس التي سبقتها، و هي تنسب لمؤسسها أبو الحسن الأشعري، وافق الأشاعرة المعتزلة في تأويلهم للصفات الإلهية التي وردت في نصوص القرآن و السنة و يحمل ظاهرها تجسيدا للذات الإلهية بحمل معناها على المجاز مثل صفات اليد و القدم، والوجه، و الضحك، والعجب، والغضب، و النزول للسماء الدنيا كل ليلة، و الاستواء على العرش..الخ، بينما خالفوهم في القول بالمنزلة بين المنزلتين فالأشاعرة يرون مرتكب الكبيرة مسلم و أمره متروك إلى الله إما أن يعذبه بذنبه أو يتوب عليه، و أن التوبة وعدم إنفاذ الوعيد الإلهي رحمة لاتتعارض مع اسم الله العدل كما زعم المعتزلة، و خالفوهم أيضا في مفهوم القدر ، فرغم أن الأشاعرة يرون الإنسان مسئولا عن أفعاله محاسب عليها إلا أنهم يرفضون نسبة الأفعال للبشر من جهة الخلق كما يصر المعتزلة و يقترحون مصطلحا آخرا هو الاكتساب لتجنب القول بخالق آخر غير الله. بلغ علم الكلام ذروة نضجه عند المتلكمة الأربعة الكبار وهم بالترتيب الزمني القاضي عبد الجبار المعتزلي، ثم إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، ثم أبي حامد الغزالي ، ثم فخر الدين الرازي (الثلاثة الأخيرون أشاعرة)، وبعد الرازي لم يكتب نص مهم في علم الكلام باستثناء الشروح والملخصات.بقي أن نشير لأن تيارا مهما في الفكر الإسلامي (عرف في البداية بأهل الحديث) ظل يرفض الخوض في هذه المجادلات معتبرا إياها بدعة ، و ينسب كلام في ذلك للإمام مالك، وقد دفع أحمد بن حنبل ثمنا غاليا لهذا الموقف، و قد وضعت الكتابات الرئيسية للتعبير عن هذا الاتجاه في القرن السادس الهجري على يد ابن تيمية الحراني، وتلميذه ابن قيم الجوزية، ويعتبر هذا التيار الأساس التاريخي للسلفية الحديثة.

5- المشاؤون:
المشاؤون من الفلاسفة هم أتباع مدرسة أرسطو، و قيل أنهم لقبوا بذلك لأن أرسطو كان كان يلقي دروسه بينما كان يمشي تحت أروقة مبنى الليسيوم بأثينا. على عكس الفلسفة الأفلاطونية التي كانت تعتبر العالم المعاش لا يعبر عن الحقيقة، معتبرا الحقائق لا توجد إلا في العالم المثالي الذي يمكن التوصل إليه فقط من خلال العقل ، فإن أرسطو حاول المزج بين الاعتماد على الملاحظة كوسيلة للوصول للحقائق في العالم الفيزيقي، والتفكير المنطقي الخالص الذي يبدأ من مقدمات صحيحة بالضرورة وصولا تترتب عليها نتائج لازمة فتكون بالتالي صحيحة بالضرورة حتى نصل بالتالي للنظريات المعقدة التي حاول أن يشرحبها الكليات و المبادي التي لا تتغير أبدا وتقف وراء هذا العالم الفيزيقي (الميتافيزيقا).. انتقلت فلسفة المشائيين للحضارة الإسلامية من خلال الترجمة في العصر العباسي الأول،وكان أول ممثليها في الفكر الإسلامي الكندي، غير أن ذروة هذا الاتجاه كانت في الأندلس عند ابن طفيل ثم ابن رشد.

6- الإشراق:
مذهب جمع بين الفلسفة و التصوف أسسه شهاب الدين السهروردي ، وعاد به إلى أفلاطون، غير أننا لا نجد الكثير من أفكاره عند أفلاطون بل عند فيلسوف آخر أحدث كثيرا هو أفلوطين السكندري (عاش في القرن الثالث للميلاد بالإسكندرية)، مما يدعم الاعتقاد بأن السهروردي كان يخلط بين الفيلسوفين. تعتمد فلسفة الإشراق على فكرة أن الحقيقة الكاملة يمكن الوصول إليها من خلال كشف روحي ، و ليس من خلال تفكير منطقي صارم، أي نوع من الإلهام الذي تتصل فيه الروح بالعقل الأول (المصطلح الذي يقصدون به الله)، وهم في ذلك يرون الخضوع لتدريب روحي من أجل إجلاء مرآة الروح حتى تشرق بأنوار الحقيقة المنعكسة عليها هو السبيل الرئيس للوصول للحقائق ، في هذا الصدد يعتبر المنطق عند الفيلسوف الإشراقي مجرد وسيلة تدريب و جزء من مخطط للوصول لهذا الصفاء الذهني وليس آلية العثور على الحقيقة. حاول السهروردي التوفيق بين مقولاته ونصوص القرآن و لكن كثيرا من الآراء التي ذكرها في مؤلفاته رأى فيها كثير من علماء عصره خروجا عن مقتضى العقيدة الإسلامية..أشهر الفلاسفة الإشراقيين بعد السهروردي هو ابن سينا.

أحمد عدلي أحمد
عضو بحزب الوسط


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق