الأربعاء، 15 يونيو 2011

العدالة الاجتماعية..المفهوم والتحديات


يعتبر مفهوم العدالة الاجتماعية أحد المفاهيم الأكثر ترددا في الخطاب السياسي للأحزاب ، والائتلافات، والقيادات السياسية كما كانت أحد الأهداف الشعبية لثورة 25 يناير في مصر ، لكن يظل مفهومها فضفاضا، و متباين التفسير حسب الأيدلوجيات، والمذاهب السياسية و الاقتصادية، فببساطة يمكن تعريف العدالة الاجتماعية على أنها التوزيع العادل للناتج القومي بين أفراد المجتمع، لكن مفهوم العدل نفسه يختلف من وجهة نظر لأخرى ، فبالنسبة للماركسية فإن الهدف النهائي هو تحقيق المساواة الكاملة من خلال مجتمع ينتج فيه كل فرد حسب طاقته، و يحصل فيه على قدر حاجته، ولكن السبيل لتحقيق هذا المجتمع الطوباوي مستحيل عمليا، لذا فإن التيارات الإشتراكية حتى الراديكالية منها تبنت في الواقع سياسات أقل طموحا من ذلك بكثير لكنها تقوم جميعا على فكرة التقريب بين الدخول و الامتيازات التي يحصل عليها الجميع ، أما بالنسبة لليمين الراديكالي فإن جوهر العدالة يتحقق بالتمييز لا بالمساواة باعتبار التمييز بين الدخول يعبر عن التميز في المهارات و العلم، والخبرة ،والموهبة، والكفاءة والانتاجية و يعتبر اليمين الراديكالي أن شروط السوق و التفاوض قادرة على تحديد الدخول المناسبة بدون حاجة لتدخل الدولة ، وبما يضمن تشجيع الناجح، وتحفيز المجتهد، لكن يعيب هذا التصور أن خطوط التمايز بين الدخول لا تقع بالضرورة عند خطوط التمايز بين الكفاءات و المواهب، فصاحب العمل الذي آلت إليه الشركة بالوراثة و الذي قد يكون غبيا و جاهلا و مسنهنرا قد يحصل على أضعاف دخل أكثر عمالها انتاجية، و موهبة.
تعبر الفكرتان المتناقضتان السابقتان عن الأفكار المتطرفة المتعلقة بالمسألة ، لكن في التجربة العملية المعاصرة تميل الدول لحلول وسط لا تتبنى بالضرورة أيا من الفكرتين بشكل كامل، إذ تهدف السياسة الاقتصادية لأغلب الدول إلى أن تولي بالرعاية الشرائح الأقل دخلا من المجتمع من خلال برامج تستهدف مكافحة الفقر، و مضاعفاته، و مساعدة المتعطلين، والمشردين ونحوهم من الفئات، كما تضمن أغلب الدول حزمة من الخدمات التي تحاول توفيرها للجميع بصرف النظر عن دخولهم (بالخصوص التعليم و درجة من الرعاية الصحية المجانية أو شبه المجانية) ، لكن تطبيق هذه الأهداف يتطلب تفضيلا بين خيارات متعددة، فقد يتخذ شكل رعاية الفقراء تقديم إعانات لهم في شكل مبالغ مالية ، أو تقديم دعم لسلع هامة لا يستغنون عنها، و في الحالة الأولى فهناك عيب عدم كفاية هذه المبالغ أما في الحالة الثانية فهناك مشكلة تسرب المنتج المدعوم إلى السوق الحر و استفادة غير المستحقين منه، كما أن الأسلوبين معا يعيبهما أنهما يتركان الفقير على حاله من الفقر، مكتفين بتقديم سمكة له ، لذلك تحاول بعض السياسات المستحدثة أن تقوم بتعليم الفقير كيف يصطاد فيما يعرف بتمكين الفقراء ، وهناك تجربة مشهورة في هذا السياق في بنجلاديش من خلال بنك الفقراء الذي أسسه الاقتصادي محمد يونس الحاصل على جائزة نوبل و المتخصص في تقديم قروض بشروط ميسرة جدا للفقراء من أجل أن يبدؤوا مشروعات متناهية الصغر تعتمد على الموارد المحلية.. تواجه سياسة مثل هذه عادة مشكلة تأهيل هؤلاء الفقراء ، فغالبا يكون الكثير منهم أميا، و غير مؤهل لأي نوع من العمل الماهر، لذا تحاول بعض السياسات الاجتماعية تغيير ذلك من خلال ربط الإعانات بانتظام الشخص في برنامج تأهيلي ما، أو انتظام أولاده وبناته في المدارس..الخ، كما تطرح فكرة إعانات البطالة مسألة الموازنة بين حق الفرد الذي لا مصدر له للدخل في ألا يترك وأسرته فريسة لفقر مدقع أو تشرد، وبين ألا تكون هذه الإعانات نفسها دافعا لبعض الأشخاص على ترك العمل، أو التوقف عن إعادة تأهيل أنفسهم بشكل مناسب لسوق العمل اعتمادا على أن الحد الأساس من احتياجاته وأسرته مضمون على أي حال.
يرتبط مفهوم العدالة الاجتماعية أيضا بقضايا أخرى، فلا يمكن أن تعتبر سياسة اجتماعية حقيقية تلك التي تترك الفقراء في مساكن تعيسة ضيقة جدا و متهالكة لا يتوافر لها أبسط مقومات المسكن الآدمي و بدون مرافق، تحيط بها بيئة ملوثة مكتفية بتقديم بعض المال أو الطعام المخفض لهم، لذا فإن النهوض بالعشوائيات، و مد مياه الشرب و الصرف، و تطوير خدمات النظافة تقع في صلب مسألة العدالة الاجتماعية.
تطرح العدالة الاجتماعية دائما مسألة ندرة الموارد كما يتطلب التوفيق بينها و بين ضرورات اقتصادية أخرى سياسات ذكية يحتاج الوصول
إليها للكثير من الدراسة، فتمويل سياسات للعدالة الاجتماعية يتطلب توفير المال اللازم لها، وهو ما يتطلب تخفيض الانفاق على قطاعات أخرى ، و يجب أن تتم هذه التخفيضات بشكل لا يؤثر على مجمل الوضع الاقتصادي للبلاد، كما قد تتطلب زيادة الضرائب ، وهو الأمر الذي يتطلب سياسة ضريبية فعالة تمكن من زيادة الموارد و تحفز في الوقت نفسه على الاستثمار خاصة في القطاعات الهامة للتنمية حتى لا ننتهي إلى إعادة توزيع للفقر.

أحمد عدلي أحمد
عضو بحزب الوسط بالإسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق