الأحد، 19 يونيو 2011

نحو رؤية اقتصادية مغايرة: النمو في خدمة التنمية


خلال السنوات الستة الأخيرة من عهد مبارك انحازت الحكومة بشكل كامل لسياسة اقتصادية تعتبر النمو (معدل الزيادة في الناتج القومي كنسبة) الهدف الوحيد للسياسة الاقتصادية، هو تصور مبني على انحياز الحكومة السابقة لمفهوم إدارة الدولة كشركة، و هذا مفهوم سيء جدا، فبينما يكون مشروعا تماما لمجلس إدارة شركة أن يعتبر زيادة الأرباح كرقم باعتباره الهدف النهائي لأعمالها ، فإن هدف إدارة اقتصاد دولة يظل أعمق من تحقيق المزيد من التدفقات النقدية في الاقتصاد ، لأن ذلك قد يتم من خلال سياسات اقتصادية لا تعود بالنفع على أغلبية المواطنين بل تضر بهم ، فعندما تحقق شركة - كشركات الحديد و الاسمنت و الأسمدة- أرباحا ضخمة من خلال سياسات احتكارية ترفع الأسعار بشدة فإن هذه الأرباح تضاف إلى رقم النمو الذي تباهي به الحكومة ، بينما نتيجة ذلك على المواطنين سلبية للغاية ، وعندما تضخ نسبة كبيرة من الاستثمارات في أنشطة توكيلات تجارية، أو استيراد سلع ترفية، أ, مشروعات لإنشاء البيوت الثانية داخل كومبوندات فخمة من الفيلات و القصور ، فإن الأرباح الضخمة التي تنتج عن ذلك تضاف أيضا لرقم النمو ، بينما قيمتها بالنسبة للمواطن العادي و مدى استفادتها منه تظل محدودة ، بل تمثل استثمارا سيئا بحاسب الفرصة البديلة المتمثلة في تطوير منتج محلي مناسب، أو مشروع اسكان متوسط قد يكون ربحه أقل بالنسبة لشركة مقاولات لكن استفادة شريحة أكبر من المواطينين منه تظل أعلى، في الحالة الأولى تترك الدولة الاستثمار بدون بوصلة يسير في أي اتجاه يحقق المكسب الأكبر للمستثمر بصرف النظر عن مصلحة المجتمع، بينما في أحوال أخرى تتدخل الدولة لتعديل توجه الاقتصاد، يتم ذلك من خلال آليتان، الأولى الحوافز من خلال التسهيلات، و الإعفاءات الضريبية والجمركية التي تمنح لمشروعات التي يحتاجها المجتمع حقا، والثانية أن يظل بعض من الاستثمار مملوكا للدولة على أن يتوجه للقطاعات التي لا تجذب الاستثمارات الخاصة من غير أن تنافس الدولة القطاع الخاص ، بل تتكامل معه من خلال رؤية شاملة.إن إدارة المجتمع تختلف عن إدارة شركة في أنها تنظر لاعتبارات التوزيع و تضع الإنسان هدفا و ليس الأرقام، و ينعكس ذلك بشكل واضح على السياسة الضريبية ففي سياسة تنموية حقيقية يكون للضرائب هدف إعادة التوازن بين طبقات المجتمع ، فيتم رفع أعبائهاعن الشرائح الأفقر بينما تفرض بنسب أعلى على الشرائح الأعلى من الدخول ، و تفرض بنسب أقل على المشروعات كثيفة التشغيل أو التي تنتج سلعا حيوية للمجتمع ، بينما تأخذ أكثر من الاستثمارات ذات الربحية العالية والتشغيل المنخفض، و تكون هناك فرصة للتفكير في توزيع غير تقليدي لعائدات الضرائب بحيث توجه حصيلة ضرائب معينة لتطوير مناطق محرومة، وعندما لا توضع الاعتبارات التنموية في الاعتبار يتم التفكير في التحلل من الالتزام بمجانية التعليم من خلال حيل مختلفة، أو تحميل المواطن بعض الأعباء الإضافية للعلاج بدلا من سياسة لتطوير التعليم المجاني و رفع ميزانيه و تحسين الرعاية الصحية ، و لا تجد إحدى الوزيرات غضاضة من تشغيل المصريات كخادمات في الخارج بدلا من وضع سياسة حقيقية لتمكين الفقيرات والفقراء والنهوض بهم إلى وضع اجتماعي أفضل، وعندما تكون مصلحة الشركات في المقدمة يتم تجاهل الاشتراطات البيئية و تترك المصانع لتلقي مخلفاتها في النهر والبحيرات ، و يتم التعدي عليها بإلقاء الملوثات و الردم حتى لو أضر ذلك بمصالح البسطاء من المزارعين والصيادين بدلا من سياسة تستهدف تحسين البيئة و تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية. لقد عانى المواطن كثيرا من سياسة غير عادلة انحازت للنمو كرقم على حساب تنمية الإنسان والمجتمع و البيئة ، ولفئة من رجال الأعمال على حساب المواطن بل و على حسب غالبية رجال الأعمال الذي لم يكونوا متنفذين داخل الحزب الفاسد و لقد آن الأوان أن تستفيد البلاد من سياسة أخرى أكثر عدالة و فعالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق