الثلاثاء، 26 يوليو 2011

الثورة وفخ الديماجوجية..لننتبه حتى لا نسقط

ديماجوجية (تعرب غالبا:سياسة تملق الجماهير) تشير إلى مجمل الأساليب التي قد ينتهجها السياسي بغرض فرض سيطرته على الناس من خلال الخطاب الوجداني ذي الظاهر النضالي الأخلاقي الذي يمكنه من استغلال المشاعر الجمعية و توظيفها بهدف خلق زعامته.تعد الديماجوجية أحد أكبر المخاطر على الديموقراطية حيث تعمل كحصان طروادة بداخلها باستغلال آلياتها في تحقيق أهداف تبتعد تماما عن المقاصد الأصلية للديموقراطية، فبينما تهدف الديموقراطية لتمكين الشعب من إدارة شئونه من خلال ممثليه، تهدف الديماجوجية لخلق الزعامة التي تسلب ليس فقط حق الجماهير في الحكم، بل تسلبهم وعيهم ، وتجعل منهم مجرد أتباع فلان أوعلان.تكره الديماجوجية البرهان لأنه يحرض على الحذر، وتعادي الفكر النقدي القائم على الشك المنهجي، و تروج في مقابل ذلك للدوجما (المقولات المطلقة الجاهزة التي تؤخذ كحقائق لا تقبل النقاش).

آليات الديماجوجية

استخدام الخطاب البلاغي بديلا عن البرهان الموضوعي.

استخدام نبرة الحماسة بديلا عن الحوار الهاديء.

التأكيد على الغضب بدلا من الحلم

التأكيد على الثأر بدلا من العدل

التأكيد على التعصب بدلا من التسامح.

التأكيد على الصور النمطية بدلا من تأسيس رؤية موضوعية

التلاعب بأحلام الجماهير بدلا من تبصيرهم بالحقائق

مظاهر الديماجوجية بعد ثورة 25 يناير

توجد الكثير من مظاهر السلوك الديماجوجي من كثير من التيارات السياسية في الساحة، وقد أخذ على بعض أطراف ضمن التيار الإسلامي استخدام أسلوب ديماجوجي إبان استفتاء مارس الماضي من خلال إقحام فتاوى التحريم وكلمة الكفر والإيمان، و التخويف غير المبرر من إلغاء المادة الثانية ،و ذلك بالتأكيد أحد أشكال الديماجوجية التي نستنكرها، لكن المؤسف أن القوى السياسية التي ما فتئت تتهم الإسلاميين بالديماجوجية تمارس الآن أسوأ سلوكياتها، إذ تتلاعب بمشاعر الجماهير من خلال أطروحات لا تصمد أمام الأسئلة الموضوعية، كفكرة نزع الشرعية عن المجلس العسكري و استبداله بمجلس مدني (برغم اتفاقنا مع ضرورة نقد العديد من قراراته التي اتخذها، ومطالبته بالعديد من القرارات الأخرى التي لم يتخذها) إلا أن المطالبة بمجلس رئاسي مدني لا تصمد أمام التساؤل حول كيفية تشكيله، ولا حول مدى قدرة أعضائه على التوافق فيما بينهم في القرارات حول عدد من القضايا الشائكة، كذلك فإن طرح استمرار الاعتصام والتصعيد حتى إقرار حد أدنى للأجور و حد أقصى لها لا يصمد أمام التساؤل حول التناقض بين ما يسببه استمرار الأوضاع غير الطبيعية في البلاد وبين ضرورة استئناف دوران العجلة الاقتصادية بشكل طبيعي بما يسمح بتوفر الأموال اللازمة لتنفيذ الشق الأول من هذا المطلب، كذلك لا يصمد أمام التساؤل حول أثر رفع الأجور المفاجيء على التضخم بما قد يسبب تآكل القدرة الشرائية للنقود مما يبدد أي منفعة ترجى من زيادة الأجر أو التساؤل حول الكيفية التي يمكن بها تدبير موارد للخزينة لتطبيق القرار في القطاع الحكومي/العام، و أثر التمويل بالعجز على الاقتصاد القومي، ولا التساؤل حول أثر إجبار القطاع الخاص على تطبيق هذا الحد الآن و فورا في ظل الظرف الاقتصادي الصعب و احتمال أن يؤدي ذلك لتوقف العديد من المصانع و إمكانية خروج الاستثمار الأجنبي من البلاد مع وضع الفرصة البديلة أمامه في الاستثمار في دول أخرى في الاعتبار خاصة أن انخفاض الأجر في مصر يعد أهم عنصر جذب للاستثمار في ظل تداعي البنية التحتية، و تعقيدات البيروقراطية و فسادها، و انخفاض انتاجية العامل المصري وهي حقائق لا يذكرها الديماجوجي لأنه حدد وظيفته بالعبث بأحلام الجماهير لا تبصيرهم بالحقائق المؤلمة وكيفية مواجهتها ، لذلك فهو يخاطب المشاعر السلبية للحقد الطبقي عند تعميم مطلب من نوع وضع حد أقصى للأجور، وهو قد يكون مطلبا ضروريا في أغلب أجهزة القطاع الحكومي الإداري حيث لا يوجد مبرر غالبا لأجور خيالية تمنح عادة لوظائف غير ضرورية لاعتبارات المحسوبية، أما في القطاع الصناعي فإن تصميم نماذج أجور أكثر تعقيدا لربط الأجر بالخبرة، وندرة التخصص قد يكون ضروريا لمنع هجرة الكفاءات النادرة ، ولأن الديماجوجي لا يهتم بالمنطق كثيرا فهو يطرح مطالب من نوع “نريد محاكمات عاجلة و عادلة” دون الالتفات للتناقض بين العدالة التي تفترض أن يكون للقاضي حرية تقدير الوقت الكافي له لدراسة القضية و ما يستجد من مذكرات مقدمة من أطرافها، أو أدلة جديدة قد تظهر أثناء تداولها، و أيضا الوقت الكافي لكل من الادعاء والدفاع لتقديم كل الأدلة والدفوع الممكنة مما يجعل اشتراط العجلة غير ذي محل في أي محاكمة نريدها عادلة حقا، ودون الانتباه إلى أن شرط العدالة لا يتوافق مع الخطاب الذي يلعب بمشاعر الرغبة في الثأر عند الجماهير بحيث يكون الحكم الوحيد المقبول هو الإدانة مع توقيع أقصى العقوبة المقررة حتى فإن مطلب تطهير الداخلية بالطريقة التي يفهمه البعض باعتباره إقصاء لكل متهم بقتل الثوار، و كل من توجه بسباب لمواطن أو شارك في تفريق مظاهرة أو فض اعتصام برغم مظهره الأخلاقي ،فهو يتعارض مع اعتبارات الضرورة العملية في عدم إدارة ملف هذه القضية و كأن هناك صراعا بين الشعب و الشرطة يدار كمباراة صفرية (حيث كل مكسب لطرف هزيمة للطرف الآخر)، وكذا مع قاعدة كون المتهم بريء حتى تثبت إدانته، و قاعدة عدم الأخذ بالشبهات، و قاعدة تغليب المصلحة الراجحة على المفسدة الأقل رجوحا و غيرها من القواعد القانونية و الفقهية المستقرة، لكن أكثر رافعي هذه المطالب لا يهتمون بالإجابة عن أية أسئلة ، بل يكتفون بشعارات حماسية حول دماء الشهداء و حقوق الفقراء، وهي أمور لا خلاف عليها كخطوط عريضة لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، ثم يلقون باتهامات لمن يحاول طرح هذه الأسئلة عليهم بخيانة دم الشهداء، و عقد صفات مع المجلس العسكري، وفلول النظام البائد، ونحو ذلك من اتهامات تهدف لشغل الخصم بالدفاع عن نفسه بدلا من توضيح موقفه و كذلك محاولة نزع الاحترام العام عنه في مناخ تختلط في الأكاذيب بالحقائق والمعلومات بالشائعات. إن مواجهة الديماجوجية لا تكون من خلال ديماجوجية مضادة لكن بالإصرار على توضيح تهافت منطلقاتها من الناحية العقلية، و السعي بكل السبل لنزع رداء الأخلاقية الزائفة عنها والكشف عن حقيقتها باعتبارها آلية لاستلاب الوعي بهدف تحقيق المصالح الشخصية لبعض السياسيين.

أحمد عدلي أحمد

عضو بحزب الوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق