الاثنين، 4 يوليو 2011

كيف يكون الفقراء أولا؟

أصبح إذن شعارا جاذبا جديدا تلتف حوله وتنبه عليه جميع الأحزاب، والائتلافات ، والشخصيات. فهو بمضمونه الأخلاقي كاف لكي يعيد للحركات الثورية كثيرا من الصورة المثالية لنضالها ، وتعيده لخانة الأهداف الكبرى بعد أن تقزم بفعل الانشغال بقضايا تكتيكية من نوعية الدستور أولا، وهو بمضمونه الاجتماعي بدا و كأنه كاف لكي يعيد جماهير الشعب للالتفاف حول النخب "الثورية" بعد أن بدأت قطاعات عريضة تنفض من حولهم بسبب من حالة الاحباط من الخلافات المتزايدة التي تشتعل بعضا من جرائقها هنا وهناك، واستمرار التأثير السلبي للتوتر السياسي على الاقتصاد و انعكاس ذلك على الطبقات الأقل دخلا ، والأقل بالتالي ادخارا يمكنهم من مواجهة هكذا ظرف، خاصة بعد أن بدـت مطالبات المتظاهرين في كل جمعة تبتعد أكثر و أكثر عن المطالب التي تلمس مباشرة حياة هؤلاء، لكنه ككل شعار مثله يتسم باتساع شديد، وصياغة فضفاضة لا يجد الكل -على تناقضاتهم- صعوبة في تبنيه، بينما لا يبدو أنه يعني الشيء نفسه عند الجميع، لذلك فيجب أن يكون السؤال: كيف يكون الفقراء أولا؟ وليس هل يجب أن يكون الفقراء أولا؟... لا يكون الفقراء أولا بالمعنى الصحيح إذا كانوا في نظر أي قوة سياسية مجرد قطاع ضخم من البشر تسعى لكي يصطفوا من خلفها في تظاهرة مليونية، أو مجرد عدد كبير من الناخبين يكون كل الهم موجها للفوز بأصواتهم الانتخابية كما لو كانوا غنيمة المعركة السياسية. لا يكون الفقراء أولا بالمعنى الصحيح إذا كانت السياسة التي تدعي ذلك تهدف لأن يظل الفقراء يحملون هذه الصفة إلى الأبد واعدة إياهم فقط بنسخة معدلة من الفقر، من خلال إعانات، وزيادة دعم ، و تحسينات جزئية لنظامي التعليم و الصحة تبقى بعدها نفس المسافة الواسعة في مستوى الخدمة المجانية التي يتلقاها الفقراء، وتلك الخاصة التي يدفع ثمنها القادرون، و لا يكون الفقراء أولا إذا كانت السياسة التي تدعي ذلك تنظر إليهم باعتبارهم أرحام تدفع ، وأفواه تبلع. فالفقراء ليسوا مجرد حشد من الجياع، و العراة، والمشردين، و إن كانت الحاجات الاساسية هذه من الحتمي توفيرها حتى يتمع الإنسان بآدميته، لكن الاكتفاء بإشباعها فحسب لا يصنع إلا إنسان الحد الأدنى ، فانسان الحضارة المعاصرة لا يكون كذلك من غير أن تتوافر له حياة كريمة في مسكن لائق، وبيئة صحية، و أن ينخرط أبناؤه في نظام تعليم متقدم يشكل و عيهم، و شخصيتهم، ويأهلهم بالكفاءات اللازمة لسوق العمل، وأن يكون مواطنا منتجا و فعالا في مجتمعه ، وأن يعامل بما يليق للإنسان من الاحترام والكرامة في الأماكن الحكومية ، ومن قبل ممثلي الأمن و الجيش و البيروقراطية، و أن يتوفر له نظام صحي فعال يحصل فيه على الخدمة العلاجية المناسبة، بأمان و كرامة ، و أن يتمتع بحرياته الانسانية ، وكافة حقوقه السياسية ، وأن يحترم رأيه كما عبر عنه في صندوق الاقتراع من غير تزوير أو محاولة التفاف عليه، وإذا كان الفقير لا ينتبه وهو عاجز عن توفير الحاجات الأساسية لأهمية هذه الحاجات الأخرى، يصبح من أولويات القوى السياسية تنبيهه إليها من غير أن تتخلى عنه في نضاله من أجل ضمان هذه الحقوق الأولية. بكلام آخر لكي يكون الفقراء أولا يجب أن نسعى لتصميم برامج فاعلى تهدف لتمكين أكبر عدد ممكن من المواطنين من الخروج من دائرته الجهنمية، من خلال برنامج لضمان الحقوق الاجتماعية الاساسية جنبا إلى جنب مع الجقوق السياسية والقانونية لكل المواطنين، و من خلال زيادة قدرات الفقراء و معاونتهم على تغيير أحوالهم و الانتقال من الجانب السفلي من خط الفقر إلى الجانب الأعلى منه، و بعض من هذه الأهداف يمكن للمجتمع المدني الأهلي المشاركة فيها، والبعض الآخر لا يمكن له أن يتحقق بغير تخطيط حكومي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق